تضاءلت شيئا فشيئا لحظات الانتظار والترقب التي كانت تطول في السابق خلال انتظار ما سيخرج به فريق العمل الذي عمل على إخراج الفيلم البحريني القصير «مريمي»، وهو الفيلم الذي تنتجه شركة عمران ميديا، من نص الكاتب الإماراتي محمد حسن أحمد وإخراج البحريني الشاب علي العلي، إذ كانت آخر تلك اللحظات في صالة مطعم تياترو بمجمع الدانة، وسط حضور كبير من الصحفيين والمثقفين والمهتمين بصناعة السينما والفن البحريني.
وعند دقات الساعة التاسعة، تضاءلت الإضاءة شيء فشيء، حتى بدأ عرض الفيلم عبر شاشات المطعم، لتبدأ أولى مشاهد الفيلم، الذي تقوم ببطولته الفنانة البحرينية فاطمة عبدالرحيم، في دور «مريمي» وهو الدور الجديد عليها وعلى الشاشة البحرينية عموما، فهي فتاة تقتات على الرقص خلال فترة الستينيات، وتعيش حالة بؤس كي تؤمن حاجاتها وحاجات ابنتها اليومية بعد وفاة زوجها.
الفيلم كان مزيجا من السرد لخواطر الشاب «عثمان» الذي أدى دوره الفنان المبدع جمعان الرويعي، إلى جانب مشاهد الأحداث التي كانت تتسلسل لتبين تعلق هذا الشاب الذي يمتهن الصيد، ويرى في «مريمي» حلما يطمح للوصول إليه، فيما تصده عنها سلبية طباعه، إلى جانب المعارضة الشديدة من أهله لتعلقه ورغبته في الارتباط بـ «مريمي».
«عثمان» الذي يجسد الدور الإنساني في معادلة قسوة الحياة والمجتمع ضد «مريمي» يقبل بسلبيته الشرط الأوحد لزواجه منها بأن تستمر في الرقص، وذلك رغم خوفه الذي يعجز عن ترجمته بشكل حازم فيما قد يقودها له ارتياد منازل الأثرياء للرقص من تهجم وتحرش بها.
هنا، يحقق الفيلم ما كان يتوقعه الجمهور بطريقة لم يتوقعوها، إذ يسمع صوت اللطمات التي تنهال على «مريمي» في أحد البيوت، وظلال شخص يقوم بذلك، فيغيب في هذا الجزء عنصري التشويق والمفاجأة، إلى جانب الصورة التي تعكس الفعل، والتي كان الكثيرين يرون فيها مكملا هاما لعناصر الفيلم، فقده كما فقد أي مشهد يصور مجلس الرقص، بخلاف المشهد الرمزي لـ «مريمي» وهي ترقص في بداية الفيلم، وهي الرابط الوحيد المصور لكونها تمارس الرقص، إلى جانب الخلخال الذي ما فارق رجلها طيلة مدة الفيلم.
«مريمي» وبعد أن نقل الفيلم فكرة ضربها، صورها وهي مرمية على باب منزلها، فيما «عثمان» كان يرتقب عودتها، ويهم لنقلها من باب المنزل إلى الداخل، وهو في تأثر بالغ لما أصابها جراء ممارسة هذه المهنة، التي طالما حذرها من الاستمرار فيها بطريقة لا تخرج عن إطار سلبيته التي اتسم بها.
ومن هنا، بدأت اللحظات التي كانت ستحسم كل المواقف تجاه الفيلم، إذ ظل الحضور يترقبون كيفية الخروج من نص الفيلم بآليات المخرج، وذلك بعد أن استطالت الأحداث، وابتعدت كثيرا عن كل مخارج الأفكار التي تخاطرت في أذهان المشاهدين، إذ اعتزم المخرج أن يختتم العمل وفق نهاية رمزية شبه مفتوحة؛ فألبس «عثمان» عباءة «مريمي»، بعد أن حلق شاربه، وجعله يخطو سائرا في الطريق الموحش الذي تمشيه كل ليلة وسط نباح الكلاب، وهي نهاية قد تكون للبعض فكرة الانتقام والثأر، أو هي خطوات سير نحو التلاشي.
الفيلم كان قد عرض على شرف المخرج أحمد العريان، الذي أكد على أنه لن يصنف الفيلم بأنه ممتاز، واصفا إياه بأنه «جيد جدا» كتجربة بحرينية جادة، مؤكدا على أن السينما تملك الحق في أن تجسد واقع وقضايا المجتمع، وهو ما ألمع السينما المصرية التي طرحت قضايا الفساد والمخدرات والشذوذ، مما يجعل السينما الخليجية في نظره أمام تحدٍ كبير كي تتمكن من الدخول إلى هذا المجال كي توازي هذا المستوى، مؤكدا أن الوصول إلى الحرية في الطرح السينمائي هو الغاية التي ستجعل من صناعة الفيلم الخليجي تنمو وترتقي
العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ