موقع «أسبار» من المواقع المتميزة بطرحها الجاد لكثير من القضايا الفكرية على اختلاف مناحيها واتجاهاتها؟ هذه القضايا تهم المجتمع السعودي بصورة مباشرة كما تهم - أيضا - ولو بصورة غير مباشرة العالم العربي أو سواه ممن يهمهم متابعة الشأن السعودي - وشخصيا - أعتقد أنهم كثيرون.
تدين السعوديين كان آخر قضية طرحها الموقع، وتحدث عنها بإسهاب وبصورة علمية دقيقة تعتمد على الاستقراء والإحصاءات الدقيقة كما بدا لي من خلال متابعة ما نشر على هذا الموقع.
الدراسة التي قام بها الموقع تحدثت بإسهاب عن جذور الفكر الديني عند السعوديين، وبدأته منق قيام الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب... وكنت أتمنى لو أن من قام بهذه الدراسة أشار إلى أن الإسلام كان متجذرا في جزيرة العرب منذ بداية بعثة رسولنا الكريم، وأنه منذ ذلك الوقت بقي كامنا في نفوس سكان الجزيرة وان كان يضعف أحيانا ويقوى أحيانا أخرى، صحيح أنه منذ بداية الاتفاق بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب استقر التدين في نفوس الناس وبدأ يعتمد على العلم الذي بدأ ينتشر منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
أكدت دراسة «أسبار» أن غالبية السعوديين يؤكدون أهمية دور الخطباء وأئمة المساجد في التوعية بخطر الإرهاب والتطرف الفكري، وأن هذا الدور يفوق دور كل وسائل الإعلام مجتمعة.
وأكدت هذه الدراسة أن نسبة كبيرة من السعوديين يثقون في الأئمة والخطباء، كما يثقون أيضا في دورهم التوعوي بخطر الإرهاب والتطرف.
هذه الدراسة وفي هذا الجانب تحديدا تؤكد على قوة نزعة التدين عند غالبية السعوديين بدليل ثقتهم بالخطباء والأئمة.
وفي الجانب الإعلامي أكدت دراسة «أسبار» أن نسبة 37 في المئة من السعوديين يشاهدون برامج التلفزيون الدينية بانتظام، كما أن هناك نسبة 43 في المئة يشاهدون هذا البرامج بين آونة وأخرى، أما الذين يشاهدونها أحيانا فهم 14 في المئة، والذين لا يشاهدونها مطلقا فهم 4 في المئة فقط.
هذه الدراسة - أيضا - وفي هذا الجانب تشير بوضوح إلى أن النسبة الكبيرة من السعوديين يتجهون إلى البرامج الدينية ومشاهدتها وهذا مؤشر على تمكن الدين في نفوس الغالبية العظمى من السعوديين.
وعندما تحدث الموقع عن المواقع الدينية في الإنترنت أكد أن هناك 52 في المئة من السعوديين يرون أهمية المواقع الدينية لهم بصورة كبيرة جدا، بينما أكد 40 في المئة إن هذه المواقع مهمة لهم.
الدراسة تشير بوضوح إلى أن هناك 92 في المئة من السعوديين مع المواقع الدينية وأنها مهمة بالنسبة لهم، وهذه نسبة كبرى تؤكد على عمق الروح الإسلامية في نفوس المواطنين.
أتفق مع كاتب الدراسة على أن هذه النتيجة تؤكد على أهمية وجود مواقع «وسطية» ذات قيمة عالية لكي تقف حائلا دون انتشار المواقع المتشددة.
الطريف في هذه الدراسة أنها شملت الحديث عن سوق الأسهم، وكيف يحرص السعوديون على تحري الحلال في هذا السوق وأنهم يلجأون إلى المشايخ لمعرفة الحلال والحرام في هذا السوق.
والأطرف كذلك ذكر أسماء المشايخ الذين تخصصوا في فتاوي الأسهم ونسبة كل منهم من عدد المستفتين سواء أكانوا شبابا أو كبار السن أو من النساء.
لقد خرجت هذه الدراسة نتيجة واضحة هي أن التدين سمة أساسية عند السعوديين مهما قيل غير ذلك.
أرجح أن هذه الدراسة ستدخل الاطمئنان على نفوس الكثيرين الذين يرون أن في الدين مصلحة لهم في حياتهم وفي آخرتهم، وأن هذه المصلحة لهم ولأبنائهم ولوطنهم ولأجيالهم القادمة.
ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه البعض دائما: ما هي مواصفات هذا الدين الذي تريدونه؟ هل هو الانغلاق والتزمت وتحريم كل شيء؟ هل هناك مواصفات أخرى لهذا الدين؟
ثم هل هناك رجال دين مقدسون؟ وهل النقد يطالهم أم هو فوق؟ أسئلة يطرحها البعض بحسن نية أحيانا وبسواها أحيانا أخرى! البعض يبدي تفاؤله على أن هذا الوضع لن يستثمر طويلا لأن بوادر انحسار التدين بدأت واضحة!
بعض الكتاب يصف الخطاب الديني بـ «المنغلق» وأنه يعيش في الماضي، وأنه شيوخه يبحثون عن مصالحهم ولا شيء أكثر.
من هؤلاء عبدالله المطيري الذي كتب مقالا تحت عنوان «لماذا الحوار الداخلي الإسلامي أصعب» في صحيفة الوطن يوم 2 يونيو/ حزيران 1429 هـ، قال فيه: «إن ما يجعل الحوار الإسلامي الداخلي متعذرا حتى الآن عدة أسباب أهمها: أن الخطاب الديني المسيطر والأكثر انتشارا هو خطاب منغلق على نفسه ويعيش في الماضي أكثر من الواقع... لا يبدو الرهان ممكنا على الفكر الديني في أن يتجاوز أزماته التي أوقع نفسه فيها، الرهان يكمن في خلق جو مختلف نرى ملامحه الآن».
لا أريد أن أعلق طويلا على ما كتبه «المطيري» فكلامه لا يكاد يفهم، ويبدو أنه يردد عبارات لا يعرف معناها، فالحوار الداخلي ليس متعذرا وقد بدأ منذ سنوات وعلى عدة مستويات خاصة وعامة وأثمرت كثيرا ولا تزال... وكنت أتمنى هو أي المطيري شرح لنا مواصفات الانغلاق في الخطاب الديني، وكيف أنه يعيش في الماضي، ثم ما هي الأزمات التي أوقع نفسه فيها! إذا كان غالبية السعوديين متدينون فهل هؤلاء جميعا منغلقون؟ وهل هم جميعا يعيشون في الماضي؟ أو يراهم يعيشون معه ومثله؟
المتدينون معظمهم منفتحون بالمعنى الصحيح للانفتاح، وهم يمارسون بناء حياتهم ووطنهم بصورة علمية جيدة لا مجال فيها للنظر إلى الوراء بالصورة التي يرددها البعض.
دراسة «أسبار» أكدت ما كان يعرفه معظم السعوديين، وسيبقى التدين الصحيح سمة السعوديين، أما الرهان الذي يتحدث عنه «المطيري» ومن يتبع منهجه فلن يرى ملامحه أبدا إن شاء الله.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ