العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ

إنها خطيئة الاستئثار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مذ نشرت ثلاث صحف محلية خبر استئثار كتلتي «الأصالة» و «المنبر» بـ 73 في المئة من مناصب الأمانة العامة بالبرلمان، كنت أنتظر رد فعل غاضب وعنيف.

الرد الأول جاء من إحدى الكتلتين المتهمتين بالاستيلاء على مناصب عامة لصالح محازبيها، لكن رد الفعل الأكبر جاء مبرمجا من جهات «مجهولة» تعمل في الخفاء، لصرف الأنظار عن الجريمة الأكبر بإشغال الرأي العام عن «التمييز» وإلهاء الشارع بالمعارك الجانبية ضد كبار الشخصيات.

البحرين سعت لتبيّض صفحتها في مجال حقوق الإنسان، ولعل أكبر ما يواجهها من تحديات ليس فقط عدم تعذيب المعتقلين أو المتهمين في الأحداث الأخيرة، ولكن في مجالات أخرى: العمالة الأجنبية والاتجار بالبشر... والأهم والأخطر التمييز بين المواطنين.

لم يعد ممكنا أن تغطّي هذه الممارسات الفاضحة بتصريحات صحافية لا يصدّقها أحد، مادام الواقع شيئا آخر. ولم يعد ممكنا أن تدافع عن هذه السياسة العنصرية باتهام الآخرين بالمظلومية وحبّ البكاء، وخصوصا أن هؤلاء مواطنون، عاشوا طويلا في بلادهم، ولم يتصاعد منهم مثل هذا الاحتجاج الصارخ إلاّ في الأعوام الأخيرة.

اليوم... أنت أمام فضيحة أخلاقية كبرى، لو كانت هذه الجمعيات تملك ذرة من حياء، لما قبلت بأقل من فتح باب التحقيق لكشف ملابسات التوظيف، وسبب اقتصاره على أنصارهما في الغالب، واستبعاد غيرهم حتى لو كانوا من المستقلين غير الحزبيين السنّة (ومعذرة للوطن على استخدام هذه المصطلحات اضطرارا).

الأساس هو أن تكون هناك معايير موضوعية للتوظيف، كما في البعثات والترقيات، في مختلف المواقع الرسمية، وأن يكون المجال مفتوحا لذوي الكفاءات، بما يضمن أفضل أداء. لكن عندما تكون القاعدة هي الاستيلاء على أكبر قدرٍ من الوظائف لـ «جماعتي»، فهنا تكون الكارثة.

هذه الجمعيات ذات الغطاء الديني، متورطةٌ فيما أسماه الباحث الأكاديمي نادر كاظم، بـ «استملاك ما لا ينبغي استملاكه من الحقل العام»، فعندما تصبح مرافق الدولة فضاء مباحا لبعض التيارات السياسية، حتى لو كانت دينية، فإنك تزرع بذور التناحر والشقاق في المجتمع. وعندما تعطي تيارات معيّنة «تحبّها» حصة أكبر من حجمها، فذلك سيكون على حساب بقية الشرائح والأطراف والتيارات في الساحة.

لا أحد يتكلّم عن المحاصصة، وإنّما عن العدالة وحقوق المواطنة وإنصاف الكفاءات، وتخليص البحرين من جراثيم التمييز القاتلة، ومن عقلية الاستئثار، التي تعتبر «التكويش» على أكبر قطعةٍ من الكعكة بطولة و «مرجلة».

هذه التيارات عندما يسكرها «الاستئثار» بالمناصب العامة و «التحويش» على ما تصل إليه يدها، فإنها تشارك في نشر الظلم والفساد. وكما أن النتن يدل على وجود الجيف، فإن الاستئثار هو ما يفضح سياسة التمييز، وعندما ترى وتسمع كل ما يقال عن هذه الجريمة فإنك تتيقن من أنك تعيش في بلدٍ مريض، فليس صدفة أن يكون ثلاثة أرباع موظفي جهاز الأمانة العامة من أتباع جمعيتين فقط. كما أنه ليس معقولا أنه لا توجد كفاءات وأصحاب مؤهلات من خارج دائرة أنصارهما، فهذا أكبر استهزاء بعقل هذا الشعب الكريم.

إنه السوس الذي نخر كثيرا من المؤسسات العامة حتى وصل إلى عقر الدار... التي كان الشعب ينتظر منها العلاج من كل الجراثيم والأوبئة والأمراض!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً