العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ

هل لأميركا دور في أنقرة؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

دفع الإعلان الأخير بأن محادثات غير مباشرة تجرى بين «إسرائيل» وسورية في تركيا الكثيرين لأن يطرحوا السؤال فيما كانت هذه الجولة من المحادثات تمثل ما هو أكثر من مجرد ألعاب سياسية. إذا أخذنا بالاعتبار أن رئيس وزراء «إسرائيل» إيهود أولمرت يواجه تحقيقات معمقة بتهمة الفساد وأصوات أعلى تطالبه بالتنحي، وفي ضوء المفاوضات المتعثرة مع الفلسطينيين، يفترض الكثير من الفلسطينيين أنه يستخدم غطاء محادثات السلام مع سورية لتحويل الانتباه عن التحديات السياسية التي تواجهه.

إلا أن التصريحات الرسمية غير العادية (أصدرت كل من الحكومتين الإسرائيلية والسورية تعليقات منسقة تعلن عن المفاوضات) والتقارير بأنه قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن عدد من القضايا الجوهرية تشير إلى أن أمرا يتعدى الألعاب السياسية قد يكون حاصلا. لكن ما بقي أن نراه، وله الأهمية القصوى في إتمام الصفقة، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدخل كمشاركة.

زعماء «إسرائيل» لهم تاريخ في التصرف بشجاعة تحت القصف السياسي. فقد أعلن رئيس الوزراء السابق آرييل شارون على سبيل المثال خططه العام 2003 في سحب المستوطنين الإسرائيليين من قطاع غزة في وسط تحقيق بالفساد. وبينما تبشر المشكلات السياسية على الجانب الإسرائيلي بتحركات نحو السلام، تفرض المشكلات الاقتصادية على الجانب السوري ضغوطات على الرئيس بشار الأسد لإجراء تغييرات في الوضع الراهن. في هذه الأجواء، ليس من الغريب أن تقوم الحكومتان الإسرائيلية والسورية بفحص الأوضاع. ولكن وبينما سارت المحادثات قدما يبقى مكون رئيسي مفقودا (الولايات المتحدة).

جرى التوقع، حتى فترة وجيزة، بأن تعمل الولايات المتحدة كوسيط في محادثات السلام بين «إسرائيل» وجيرانها، بمن فيهم سورية. أثناء فترة بيل كلينتون الرئاسية قام المسئولون الأميركيون برحلات مكوكية بين دمشق والقدس للإشراف على المفاوضات بين الجانبين، ولكن اليوم، ليس للولايات المتحدة اهتمام مشترك مع «إسرائيل» في إبعاد سورية عن إيران وإيقاف تدفق الأسلحة إلى حزب الله فحسب، وإنما لها اهتماماتها الخاصة فيما يتعلق بلبنان، وهي ضمان بقائها مستقلة عن سورية، وهو أمر لا يهم «إسرائيل».

أوضحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في التعليق على احتمالات محادثات إسرائيلية سورية أن الولايات المتحدة «لا ترغب في الوقوف عائقا أمام أية محاولة لتحقيق السلام»، ولكنها أضافت أنه «يتوجب على سورية أولا أن تظهر رغبة في السلام في الشرق الأوسط، خصوصا فيما يتعلق بلبنان».

يشكل دور سورية في لبنان، بما فيه الادعاءات بأنها قامت باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري العام 2005، هجمة مباشرة على واحدة من أولويات الرئيس بوش في المنطقة، ألا وهي تشجيع الديمقراطية.

في الوقت نفسه اختلفت الأمور على الجانب السوري، الذي لم تعد اهتماماته الرئيسية في المحادثات مع «إسرائيل» تنصب على عودة مرتفعات الجولان. وعلى رغم أن هذه تعتبر متطلبات أساسية إلا أنها ليست حافزا كافيا للتوصل إلى اتفاق، فسورية تكافح مع اقتصاد يعاني من الجمود، تضيف إلى أعبائه كلفة الطاقة التي ما فتأت ترتفع (جزئيا نتيجة لفقدان إيرادات النفط غير الشرعية من العراق بعد الغزو الأميركي) وأعداد اللاجئين العراقيين الذين يشكلون ضغوطا على البنية الأساسية للدولة. ويتوقع بعض المحللين أن تواجه الدولة «يوم حساب» عندما لا يعود بإمكان الاقتصاد التعامل مع النمو السكاني والاحتياجات المحلية. لذلك تسعى سورية إلى أية علاقات مالية أو دبلوماسية تستطيع تحقيقها مع الولايات المتحدة. في الوقت الذي كانت فيه المساعدات الأميركية مقابل صنع السلام مع «إسرائيل» هي التقليد المتبع - حصلت كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية على كميات كبيرة من المساعدات وتعميق للعلاقات التجارية عندما قامت بالتوصل إلى اتفاقيات، إلا أن اهتمام الولايات المتحدة الآخر هذه المرة - المتعلق بلبنان - سيلعب دورا حاسما. لذا فإن فوائد السلام لن تتأتّى من السلام بين «إسرائيل» وسورية وحدها، وإنما من السلام بين «إسرائيل» وسورية والولايات المتحدة.

السؤال المطروح أمام جولة المحادثات الحالية إذن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستشارك ليس كوسيط وإنما كطرف مشارك؟

حتى الآن، لم يعرب البيت الأبيض، على رغم علمه بالاجتماعات واللقاءات، عن رغبة بالانضمام إليها. لذا، وعلى رغم إمكان تحقيق تقدم بين «إسرائيل» وسورية تحت إشراف تركيا، ستكون هناك حلقة مفقودة في عملية السلام. ولكن ذلك قد لا يطول. حتى لو لم تشارك الإدارة الأميركية الحالية، باستطاعة تركيا رعاية المحادثات حتى مرحلة تستطيع فيها الإدارة الأميركية الجديدة إنهاء الصفقة.

* باحث ومحلل مع مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز في

واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2111 - الإثنين 16 يونيو 2008م الموافق 11 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً