العدد 2110 - الأحد 15 يونيو 2008م الموافق 10 جمادى الآخرة 1429هـ

مِرْآةٌ وَاحِدَةٌ لا تَكْفِي لِفَهْمِ «النّجاديّة»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأسبوع الماضي قرأت الرئيس أحمدي نجاد من زوايا الإقليم الناشط فيه. اليوم أحاول قراءة خارجه الدولي لاستيعاب مرحلة الرجل الذي لم يتبق على انصرام ولايته سوى عام واحد بالتمام.

وإذا ما تمّ ربط تلك الزوايا الإقليمية بامتداداتها الجيوبوليتيكة نحو الشرق كذراع أولي والغرب كذراع ثانية؛ لتشكيل عوامل ارتباط طردية؛ فإنّ الأمور قد تبدو مُتداخلة إلى الحد الذي تضيع فيه فرص التحليل ورد فروع القضايا إلى أصولها لاستجلاء الموقف.

الدول الغربية ودول الشرق الأدنى والشمال الأقصى تعلم أنّ منطقة الشرق الأوسط هي ليست كأيّ منطقة في العالم. الاعتبارات التي تجعلها كذلك مختلفة ومتنوعة ومُعقّدة أيضا. لكن ظاهرها بالتأكيد هو وجود الكيان الصهيوني كقيمة سياسية ودينية غربية، وثانيها وجود احتياطات النفط والغاز الاستراتيجية وممرات تدفقها نحو الأسواق العالمية.

في الشرق الأدنى (وبالتحديد اليابان) أدرك الإيرانيون ظروف دوله وهمّهم الذي لم يبتعد كثيرا عن مسألة الطاقة. فظفروا بنصيب وافر بعد اندماج شركتي اينبيكس وتاكيكو اليابانيتين للنفط، ونزاع طوكيو وبكين على الطاقة الموجودة في بحر الصين الشرقي.

وحتى عندما تعثرت المباحثات بين طوكيو وطهران بشأن تطوير حقل آزادكان (جنوب غرب) في العام 2006 بسبب الضغوط الأميركية بقي اعتماد اليابان على النفط الإيراني مركزيا إذ بلغ 21 في المئة من مجمل احتياجاتها من الطاقة.

في منطقة أقرب وأمام رغبة الصين في تأمين احتياجاتها المتعاظمة من النفط عَرَضَت حكومة أحمدي نجاد على بكّين عرضا مُغريا يتعلّق بتطوير حقل يادافاران الإيراني، دفع بشركة سينوبك كأكبر وعاء صناعي صيني لتكرير النفط والبتروكيماويات لعقد صفقة هائلة للتنقيب والاستثمار في ذلك الحقل بقيمة 100 مليار دولار (تبلغ احتياطات الحقل 3.2 مليارات برميل و2.7 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي) وهو ما يعني أنّ حجم الواردات الصينية من النفط الخام الإيراني ستزيد إلى عشرين مليون طن في اليوم لزيادة المخزون النفطي الاستراتيجي الصيني وتنويع مصادره.

خطة أحمدي نجاد كانت تقضي بأنْ يزيد من عرضه المغري للصين؛ لتحقيق مكاسب سياسية عبر إعطائها جزءا من صفقات التنقيب في حقول الشمال القريبة من بحر قزوين والذي يتطلع الصينيون إلى الوصول إليه ضمن خطة استراتيجية تُفضي بهم إلى حيث مكامن الطاقة في الشمال.

على المسار الهندي، فقد جيّر أحمدي نجاد علاقته مع نيودلهي بما يتناسب ومشاكساته على مسرح السياسة الدولية وخصوصا مع واشنطن. فالبَلَدَان يسيران على خطى مشروع ثلاثي (إيران، باكستان والهند) بشأن بناء أنبوب غاز يزوّد الهند عبر الأراضي الباكستانية بثلاثين مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني يوميا.

أضف إلى ذلك ما وقّعته شركة النفط الهندية (أونجو) مع الحكومة الإيرانية من اتفاق لتطوير أحد الحقول النفطية الإيرانية بقيمة بمليار دولار لإنتاج 500 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم.

هذا المسار الشرق جنوبي أتاح لإيران وضعا متراكما من التموضع النشط في القارة القديمة وبما يُؤثّر على قيمة طهران دوليا وإقليميا. وربما أتاح لها أنْ تستند على هذا المحور بشكل حاد في الملف النووي الإيراني مع مجلس الأمن.

بل الأكثر من ذلك وهو أنّ هذا الخط قد وفر لطهران ممرا ماليا بديلا عن بعض المصارف الأوروبية التي قطعت علاقاتها المالية مع طهران بعيد صدور القرار الأممي الثاني والخاص بالملف النووي الإيراني، وخصوصا المصارف الهندية والصينية وبعض المصارف الماليزية والسنغافورية.

في النصف الآخر من الخط الذي يصل إيران بالمتوسط وشمال أوروبا يبدأ نظام المصالح في التوسّع رغم التناقضات الدولية التي تحوّطها واشنطن. ففي غضون ستة أشهر فقط بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي عشرة مليارات دولار و181 مليون دولار بحسب ما أعلنته منظمة يوروستات. كما بلغت الواردات الأوروبية من الجمهورية الإسلامية للمدة نفسها أكثر من خمسة مليارات يورو.

الأكثر من ذلك فإنّ الإيرانيين بدأوا ومنذ انخفاض قيمة الدولارعلى بيع نفطهم بعملات أخرى غير الدولار وفي طليعتها اليورو وذلك بنسبة 85 في المئة من مجمل تلك المبيعات (راجع تصريحات مساعد مدير التسويق في شركة النفط الوطنية الإيرانية محمد علي خطيبي) وهو ما يعني تكريس العلاقة بين الجانبين.

ولأنّ حكومة الرئيس أحمدي نجاد قد استطاعت رفع النمو الاقتصادي إلى 6 في المئة، فقد نجحت في تكثير مستوى توظيف الاستثمارات الأجنبية إلى 300 في المئة، وخصوصا أنّ الصادرات غير النفطية حققت نموا وصل إلى مئة في المئة (16 مليارا و300 مليون دولار).

وغير بعيد عن ذلك ما قامت به سويسرا عبر شركة الكتريتسيتيت غيزيلشافت لاوفنبورغ من توقيع اتفاق ضخم مع طهران ينص على تزويد سويسرا بـ 5.5 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني لمدة خمسة وعشرين عاما يتم تسليمه إليها عبر الحدود التركية.

بل إن المتحدث باسم الخارجية السويسرية قال في دفاعه عن ذلك الاتفاق مع إيران ضد بيان الجمعية الصهيونية «انتي ديفاماسين ليغ» إنّ هناك عشر دول من بينها اليابان وفرنسا وإيطاليا، ترتبط مع إيران بعقود مماثلة!

وعلى رغم كلّ ما يقال فإنّ الأنباء الواردة اليوم تفيد بأنّ إيطاليا والنمسا قد تزيد من استيرادها للنفط والغاز الإيرانيين بعد اكتشاف حقل جفير الذي يحوي 750 مليون برميل للنفط، وإنتاج يومي يبلغ ثلاثين ألف برميل يوميا، وأيضا بعد إلحاق المراحل 6 إلى 10 في حقل غاز بارس الجنوبي بشبكة الإنتاج في الشتاء.

وإذا ما عُرِف أنّ حصة إيران من المخزون العالمي للغاز تبلغ 28 تريليون متر مكعب من أصل 181 تريليون متر مكعب هو مجموع المخزون العالمي فإنّ أنبوب الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا (نابوكو) يبقى ضرورة أوروبية ملحّة (راجع تصريحات وزير النفط الإيراني غلام حسين نوذري أشار وزير النفط غلام حسين نوذري).

وإذا ما عُرِف كلّ ذلك التشابك في المصالح والمنافع بين إيران ودول الشرق والغرب سيُمكن تفسير «الرجاء» الأوروبي لإيران بأنْ تقبل عرض الحوافز الأخير الذي حُسّن عن سابقه حين وصفه مصدر دبلوماسي فرنسي بأنه «غير مسبوق» وأنه «غصن الزيتون» كما سمّاه نيكولا دي ريفييرا.

وأيضا ستفسّر تلك الأرقام ومفاعيلها كيف يُدير أحمدي نجاد خيارات بلاده وسياسته الخارجية أمام التحديات، وكم هي الخسائر والأرباح في دفتر الحساب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2110 - الأحد 15 يونيو 2008م الموافق 10 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً