بعد انقضاء فترة الامتحانات والحصول على الدرجات النهائية، وبعد التعب الذي عاناه أبناؤنا في الدراسة، يتوجه الكثير من المراهقين إلى أولياء أمورهم طمعا في الحصول على بعض الأجهزة الغالية والمسلّية، أو السفر إلى أية بقعة في العالم، آملين البعد عن جو البحرين القاتل في فترة الصيف، أو تراهم يقضون العطلة في النوم ومشاهدة التلفاز والسهر على الإنترنت واستخدام مواقع المحادثات في غالبية الأحيان.
والصراحة، لا يستطيع غالبية البحرينيين السفر إلى الخارج، نظرا للكلفة المادية التي تعيقهم، ولا يستطيعون كذلك شراء الأجهزة الغالية مثل «البلاي ستيشن» و»الاكس بوكس» و»الآي بود»... الخ، وخاصة مع موجة الغلاء التي تشهدها الدولة.
ويقضي المراهق المسكين وقته طوال أيام العطلة الصيفية غير مستفيد منها، ويحتويه الملل والضجر بعد مشاهدة الكثير من الأفلام والقصص الخيالية التي لا نرى منها على أرض الواقع شيئا، ويؤول الوضع إلى وضع أسوأ عندما يخرج المراهق إلى ساعات متأخرة من الليل لملاقاة أصحاب السوء المشجّعين دائما على خرابه وخراب المجتمع البحريني، مستغلين الفراغ والشباب والطاقة التي تميز المراهق عن غيره من الفئات.
لذلك هناك مقترح للحكومة بتبني «مشروع وطني وتربوي» للمراهقين، يساعدها في عدم استغلال هذه الفئة أثناء العطلة الصيفية، وتستثمر فيها الحكومة طاقة الشبيبة.
المشروع ببساطة هو إدخال برنامج لكل مؤسسة - حكومية أو خاصة - في توظيف قدر معين من المراهقين بشروط معينة وبحوافز مثيرة، ليكونوا عنصرا فعالا في وطنهم، وكذلك حتى لا يتم استغلالهم بطريقة سيئة تضرّ بهم أو بولي أمرهم أو بمملكتهم.
أما الجانب التربوي في هذا المشروع؛ فهو يدرّب أبناءَنا المراهقين على تحمل المسئولية وحب العمل وبذل الجهود لتحقيق الهدف، وأيضا من خلاله نستطيع غرس الوطنية وحب الوطن والبعد عن الطائفية، فالفئة التي ستشرف على المراهقين لابد أن تكون جهة استشرافية ذات أبعاد استراتيجية، تدرس الأماكن المناسبة لهم وتوزعهم بحسب الأولوية والرغبات.
إن غرس بعض القيم والمعايير في المجتمع يحتاج منا إلى بذل الجهود والتطوع في إنجاح ما هو مهم بالنسبة لأبنائنا، فتفعيل القوى لا يمكن أن يتسبب في خلل المراهق، بل سيوجهه إلى الاطلاع على الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة، وستصنع منه هذه التجربة إنسانا آخر خاصة إذا قامت الجهة المعنية بتغذية المراهق بأنواع من الكتيبات ذات الطابع المعلوماتي التي تزيد من مدركاته العقلية والمعرفية.
إن دراسة المواد نظريا لا تكفي، ومشروع مقرر المواطنة الذي سيتم عن طريقه إدماج بعض المراهقين في مؤسسات الدولة لا يكفي، بل لابد لنا من جهاز خاص يعنى بكلّ شئون توظيف المراهقين، وهي أسرع سلاح لتغذية الأفكار بما هو مهم وقيّم، ونضيف إلى ذلك المردود المادي الطيب الذي يستطعم من خلاله المراهق طعم الجهد المبذول.
وإننا لاحظنا الكثير من فئات المجتمع بل والكثير من مسئولي الدولة الذين يحملون درجات علمية عالية ومتعددة يفتقرون إلى الشخصية العملية القوية صانعة القرار في الدولة، بينما نجد الدول المتقدمة تحث الشركات والمؤسسات على توظيف المراهقين لما له من تأثير قوي في تكوين الشخصيات، فتجد المسئولين عندهم يتميزون بالانضباط الوظيفي الذي نفتقره، وبالإنتاج وصنع القرار اللذين نحتاجهما في أية وزارة حكومية أو في أية شركة خاصة.
ولنضرب مثالا على ذلك، إذ نجد أن الشركات والمطاعم في الولايات المتحدة الأميركية تتبنى إيجاد فرص عمل للمراهقين دون سن الثمانية عشرة للاستفادة من نشاطهم وحيويتهم وطاقتهم، وللخدمة المتميزة التي يقدمها المراهق نظرا لسنّه، وللمردود المادي الذي يعود على صاحب الشركة وعلى المراهق، وكذلك لصقل شخصية المواطن الأميركي. وما إن يبلغ المراهق سن العشرين حتى تجد اطّلاعه واسعا في الكثير من الأمور مثل البناء والميكانيكا والتسويق والحسابات، وغيرها من الأعمال النافعة والمسلية التي تدر عليهم أفكارا مستقبلية تفيدهم وذويهم ووطنهم.
نتمنى من الحكومة الأخذ في الاعتبار بأن أسرع طريقة للقضاء على الجهل الفكري هي الوقاية منه، فتوظيف المراهق وقاية للدولة قبل أن تكون وقاية له في التخلص من المشكلات والأزمات المرهقة في المجتمع البحريني.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2110 - الأحد 15 يونيو 2008م الموافق 10 جمادى الآخرة 1429هـ