العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ

لبنان: عودة إلى الخط الصحيح

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يبدأ الاتفاق الأخير الذي عقد في الدوحة لإنهاء الجمود السياسي في لبنان، المستمر منذ 18 شهرا، عملية إعادة تأسيس حكومة عاملة والتعامل مع الاهتمامات ومصادر القلق الشرعية للشعب اللبناني. وهي تؤجّل الحوار بشأن مستقبل دور حزب الله في المجتمع اللبناني إلى ما بعد انتخاب الرئيس الذي جرى مؤخرا، الأمر الذي يأتي بنا إلى عبقرية هذا الاتفاق، فهو يفصل بين اهتمامات الطائفة الشيعية واهتمامات حزب الله.

ويعتبر هذا تطورا حاسما؛ لأنه لا يمكن إعادة إنشاء التوازن السياسي في لبنان طالما يجري التعامل مع هاتين القضيتين على أنهما قضية واحدة.

كان جلّ اهتمام الطائفة الشيعية فشل النظام السياسي اللبناني في توفير تمثيل مناسب لأكبر فصيل داخل لبنان.

يتطلب حكم لبنان الناجح أنْ تكون للطوائف الثلاث الكبرى، الموارنة والسنة والشيعة، سلطة كافية داخل الحكومة لحماية مصالح كلّ منها. حتى يتسنّى حكم لبنان يجب التوصل إلى إجماع بين هذه المجموعات، بحيث يخصص لكلّ مجموعة وزنا سياسيا يلعب دورا مصيريا.

حوّلت عملية إعادة توزيع أدوار الطوائف، التي تمت العام 1989 التأثير من الموارنة إلى السنّة، بينما تركت اهتمامات الشيعة دون التعامل معها. في ذلك الوقت لاحظ حسين الحسيني، الزعيم الشيعي، أنّ الحقوق السياسية للشيعة لا تحميها اتفاقية الطائف. وأدرك كذلك أنّ تحقيق حماية كهذه لم تكن ممكنة وقتها وأنه يتوجّب التعامل مع اهتمامات الشيعة في المستقبل. ولكن ذلك لم يحدث.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 قدّم جميع الوزراء الشيعة استقالاتهم في محاولة لإظهارعدم ثقتهم بالحكومة، وبهذا لم يعد الإجماع السياسي المطلوب للحكم الشرعي موجودا. اختارت الحكومة اللبنانية أنْ تحكم من دون دعم الشيعة.

وعلى رغم وجود الكثير من الأسباب المؤدّية إلى استقالة الوزراء الشيعة إلاّ أنّ قرار الحكومة عزز المنظور بأنّ مصالح الشيعة لم تُؤخذ على محمل الجد. لذا أصبح من الأساسي للطائفة الشيعية أن تثبت أنّ لبنان لا يمكن أن يُحكم دون هذا الدعم. كانت نتيجة ذلك حالة الجمود السياسي التي دامت 18 شهرا. قام اتفاق الدوحة بكسر ذلك الجمود وإعادة الإجماع في الحكم بين الموارنة والسنّة والشيعة. وقد تم تحقيق ذلك الهدف من خلال تشكيل وزارة يحصل فيها الشيعة وحلفاؤهم على تمثيل كافٍ لضمان حماية حقوقهم.

كما كان ثاني وأهم إنجاز حققته الاتفاقية وضع مسودة قانون انتخاب جديد يحلّ محل القانون الذي أثرت عليه سورية والذي كانت الحكومة الحالية قد انتخبت بموجبه. كانت عملية إعادة النظر بالقانون ومراجعته أساسية لضمان استدامة إجماع في الحكم.

وضعت الاتفاقية، التي تحققت من خلال تيسير ماهر من قبل حكومة قطر وجامعة الدول العربية، حدا للتظاهرات والاعتصامات في وسط بيروت. انتخب ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية بتاريخ 25 مايو/ أيّار، وبدأ الهدوء يعود إلى لبنان. وتملك الأوضاع السياسية والاقتصادية احتمالات التحسّن للمرة الأولى منذ حرب العام 2006 مع «إسرائيل».

إلا أنه مازالت هناك حاجة للتعامل مع قضية حزب الله. فرغم تشابك اهتماماته الواضح مع اهتمامات الطائفة الشيعية، يطرح حزب الله سلسلة من التحديات تتعدى اهتمامات الشيعة اللبنانيين بشكل بعيد. قلة هم الذين يستطيعون إنكار أنّ تأثير حزب الله قد ازداد خلال الشهور الثمانية عشر الماضية.

ولا يعني هذا أنّ أعمال حزب الله كافة وسياساته على اختلافها وتنوعها، والتي ينفر منها معظم دول العالم، تحصل على الدعم بالإجماع في أوساط الشيعة اللبنانيين، فالأمر الواضح هو أنها لا تحظى بذلك. مع هذا، وفي دهاليز السياسة اللبنانية، ما دام يرى الشيعة أنّ أمنهم يعتمد على حزب الله، فليس لديهم خيار سوى دعم حزب الله.

يبدأ اتفاق الدوحة عملية فصل وضع المجتمع الشيعي الجيد عن دعم حزب الله. وهذا، على المدى البعيد، هو الأسلوب الوحيد لمجابهة التحديات التي يشكلها وجود حزب الله. وبازدياد عدد الشيعة الذين يؤمنون بأنّ مصالح طائفتهم محمية من قبل الحكومة وبازدياد عدد الشيعة الذين يصبحون أقل ارتياحا بسياسات حزب الله، تبدأ قيادة حزب الله إما بفقدان الدعم الشعبي أو أنها تضطر لتغيير سياساتها.

التحدي الذي يواجه الإصلاحات النهائية هو أنه على المدى القصير سيرى الكثيرون نتائج الدوحة الأخيرة على أنها نصر لحزب الله، الذي سيعطى على الأرجح الفضل في تحقيق التغييرات السياسية.

يجب أنْ يكون الهدف هو تجاوز المنظورالأولي ورؤية الاتفاق على ما هو عليه في الواقع: خطوة أولى نحو إنشاء حكومة أكثر تمثيلا في لبنان، وعلى المدى البعيد التقليل من تأثير المجموعات المتطرفة.

* عالم مشارك في معهد الشرق الأوسط وخبير في الشئون اللبنانية، وقد عمل سابقا مديرا لموظفي لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً