ربما تكون قضية المفصولين الـ44 من شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو) الحدث الأبرز على الساحة العمالية وحتى السياسية في الفترة الأخيرة، وذلك لعدة أمور منها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وأيضا السياسية.
قضية فصل الـ44 ليست قضية عادية أو مجرد فصل تعسفي تقوم به شركة في القطاع الخاص، بل قضية لها أبعاد كبيرة جدا يجب أن يتم التوقف عندها ومراجعتها لمعرفة ما سينتج عنها بعد ذلك، فالمسألة ليست فصلا لموظفين بل لأرزاق مواطنين وعوائل سيفقدون مصدر رزقهم، وسيحرمهم ذلك مواصلة حياتهم بشكل طبيعي وعادي، بالإضافة إلى أن ذلك شرعنة جديدة للشركات الخاصة للسير على المنهاج نفسه والتخلص من العمالة المواطنة، في ظل تأكيد «بتلكو» أن لديها قائمة بـ60 آخرين في الطريق.
المسئولية الكبيرة وراء تدهور وضع هؤلاء الـ44 تتحملها الحكومة لعدة أمور يمكننا أن نلخصها في الآتي:
1. الفصل جاء بقرار من مجلس إدارة شركة «بتلكو»، وطبعا هذا المجلس مكون من ممثلي الحكومة، وهم ممثلون عن شركة ممتلكات البحرين القابضة، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد، وبالتالي فهذا التمثيل الحكومي والقوي في المجلس صادق على قرار الفصل وساهم بقناعة في ذلك، ولا يمكن أن يحمّل الرئيس التنفيذي للشركة - من وجهة نظري - مسئولية هذا القرار لوحده فقط.
2. الحكومة كانت على علم بالقرار قبل الفصل، وذلك بعد إطلاع رئيس مجلس إدارة «بتلكو» الشيخ حمد بن عبدالله للرئيس التنفيذي لشركة ممتلكات البحرين القابضة طلال الزين خلال لقاء سبق الفصل بأيام على موقف الشركة، ورغبتها في تسريح عدد من المواطنين نتيجة وضعها الاقتصادي، وكلنا يعلم أن شركة ممتلكات حكومية تدير ممتلكات الحكومة في الشركات الخاصة، وبالتالي فإن الحكومة ومن خلال هذا اللقاء أعطت الضوء الأخضر لبتلكو لفصل الموظفين الـ44.
3. كلنا يتذكر مسألة فصل النقابيين في «بتلكو» فيصل غزوان وماجد سهراب وما واكب هذا الفصل من تطورات كبيرة جعلت من وزير العمل يدخل في معركة كلامية مع شركة «بتلكو» ليصفها بـ «المتعالية على القانون». وزير العمل يعد ممثلا عن الحكومة، إلا أن الحكومة بقيت صامتة في مجلس الوزراء دهرا طويلا، لتصرّ «بتلكو» على القضاء بأن يكون هو الفيصل في القضية، ولم تعد المفصولين حتى صدور القرار القضائي إلا بتوجيهات من رئيس الوزراء، وهذا يعني أن تدخل رئيس الوزراء كان مفعوله أكبر على «بتلكو» حتى من القضاء.
4. مسئولية الحكومة في هذه القضية وغيرها من قضايا الفصل التعسفي تأتي نتيجة واقعية لقانون عمل ضعيف جدا لم يوجد أية ضمانة حقيقة للعمال تحميهم من تعسف الشركات، وبالخصوص تلك التي لا يهمها إلا الربح حتى لو كان على حساب السلم الاجتماعي، فقانون العمل جوّز ضمنيا فصل أي عامل بشرط تعويضه بأجر شهر عن كل عام خدمة بما لا يتجاوز أجر اثني عشرا، وهذا التعويض البخس هو الركيزة الأساسية التي تتمسك بها «بتلكو» الآن لتفصل موظفيها بهذا التعويض الظالم.
5. وزير العمل مجيد العلوي خرج وتحدث واتهم «بتلكو» بتجاوز القانون، واعتبر الفصل تعسفيا، ولكن وزير المالية المسئول عن شركة ممتلكات التي كان الفصل بعلمها فضل الصمت على الحديث والتدخل لإنهاء الخلاف، وخصوصا أن الحكومة تمتلك 37 في المئة من أسهم «بتلكو»، وهو ما يثير الاستغراب!
في النهاية، فإن الحكومة على علم بفصل الـ44 موظفا من شركة «بتلكو»، بل تم ذلك بموافقتها عبر ممثليها في مجلس الشركة وهي ساهمت في الفصل وباركته، ولا يستطيع أحد أن يقول عكس ذلك.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ