العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ

المياه في الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الثالث؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انطلقت يوم 11 يونيو/ حزيران 2008 في العاصمة التركية اسطنبول أعمال الملتقى الاقتصادي التركي العربي الثالث. وأمطرتنا وسائل الإعلام، وخاصة العربية منها بوابل من العبارات مثل، «ويبحث الملتقى على مدى يومين فرص وإمكانيات تطوير التعاون المشترك في مجالات التمويل والاستثمار والطاقة والسياحة بين تركيا والدول العربية ودور تركيا في مشاريع الدول العربية المطروحة حتى العام 2015». أو أخرى مثل «ويتناول الملتقى عددا من المحاور أهمها النشاط المصرفي والأسواق المالية في تركيا والتطورات الاقتصادية وبيئة الاستثمار في تركيا والقطاع العقاري وبناء السياحة الإقليمية وحاجات تركيا المتنامية للطاقة والعلاقات العربية وآفاق النشاط الاقتصادي والتجاري في الدول العربية».

لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية العلاقات، وفي مقدمتها الاقتصادية، بين العرب والأتراك، كما لا يستطيع أحد أن يهمش تنامي تلك العلاقات والقفزات التي حققتها، منذ انعقاد الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الأول، إذ تشير الإحصاءات الاقتصادية إلى أن 16 في المئة من التجارة الخارجية التركية تتم مع الدول العربية كما تبلغ قيمة الاستثمارات العربية جديدة في تركيا نحو 36 مليار دولار، يترافق ذلك مع نمو كبير في حركة التبادل التجاري إلى جانب دور متعاظم لشركات المقاولات التركية في تنفيذ المشاريع في بعض الدول العربية.

لكن، ورغم أهمية كل تلك المشروعات واستراتيجيتها، تبقى هناك قضية عالقة، ومنذ فترة طويلة، في العلاقات العربية - التركية. تلك هي مشكلة المياه. فكما يبدو غابت عن أولويات اهتمامات المنتدى هذه القضية الاستراتيجية بالنسبة للعرب والأتراك الذين شاركوا في المنتدى الثالث، وخاصة أن تركيا هي الطرف المتحكم في أهم مصادرها.

وكما يبدو أنها لم تنل قضية المياه القسط الذي تستحقه من التركيز أو الاهتمام، فقد قرأنا إشارات عرضية بشأنها في التغطيات الإعلامية من نمط «كما سيناقش المنتدى أيضا الشراكة التركية ـ العربية في المشاريع العقارية ومشاريع تطوير الأراضي وإمكانات التعاون والتنسيق التركي ـ العربي في مجال الموارد المائية والطاقة».

لابد لنا من عودة سريعة إلى التسعينيات من القرن الماضي عندما بلغت أزمة مياه نهر الفرات إلى ذروتها بين العواصم الثلاث: أنقرة وبغداد ودمشق في 13 يناير/ كانون الثاني 1990، عندما أعلنت الحكومة التركية قطع منسوب نهر الفرات لمدة شهر بهدف تسريع إيصال الماء إلى سد أتاتورك الكبير في إطار مشروع ري جنوب شرق الأناضول.

أعقب ذلك، ما اندلع من صراع تركي عربي حول مياه نهري دجلة والفرات، إبان اندلاع الغزو العراقي للكويت حين حاولت تركيا تنفيذ إحكام البرتوكول السوري- التركي الذي يعطي لتركيا نصف الإيراد المائي لنهر الفرات بشكل مؤقت. وحينها رشحت معلومات باستعداد تركيا لبيع «المياه التركية» لدول آسيا العربية عبر ما سمي «بأنابيب السلام» وذلك من أجل تحقيق عائد مادي لا يقل عن ملياري دولار سنويا نظير بيع المياه لتلك الدول.

وليس هناك أكثر من اسطنبول إدراكا لمثل هذه الأهمية، والتي لخصها بوضوح شديد رئيس إحدى شركات المياه الكبرى في تركيا يوزير غاريه حيث ورد عنه: «المياه ستصبح نادرة يوما بعد يوم، وسترتفع أثمانها وستصبح كالنفط والغاز الطبيعي، وهذه الندرة ماثلة بقوة في منطقة الشرق الأوسط، ونتيجة للحاجات المتزايدة للمياه في «إسرائيل» فيمكن تزويدها بالمياه عبر شحن المياه لها من تركيا، أو عبر مشاريع تحليه مياه البحر، وإن الحل نفسه سيفرض على الدول العربية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي من أجل الحصول على المياه بصورة تجارية. وهناك مشاريع جاهزة لتزويد الدول العربية المجاورة أو البعيدة بالماء لقاء ثمن هذه السلعة التي تعتبرها تركيا ثروة وطنية كما هو النفط في الدول الأخرى».

بالمقابل ليس هناك لبس حول أهمية تلك المياه بالنسبة للجانب العربي، وهذا ما أشار إليه الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عصمت عبدالمجيد حين حدد 3 تحديات أساسية يواجهها الأمن المائي العربي من بينها «المشاكل المشتركة مع دول الجوار وخاصة مياه نهري دجلة والفرات بين تركيا وكل من سورية والعراق».

وكي ندرك أهمية المياه في هذه المنطقة، يكفي الإشارات إلى أرقام العام 2000، أي قبل ثماني سنوات من الآن، حينها، بلغت احتياجات سورية من مياه الفرات 11 مليار متر مكعب، واحتياجات تركيا 15.7 مليارا سنويا، واحتياجات العراق 13 مليارا، فيكون المجموع 39.7 مليارا في حين أن الإيراد السنوي لنهر الفرات لا يتجاوز 27 مليار متر مكعب في السنة، وبذلك يبلغ العجز المائي نحو 13 مليار متر مكعب. والمشكلة ليست الآن، وإنما في المدى المستقبلي عند إنجاز المشاريع التركية في حدود العام 2010.

بقي أن نعرف، وكما أشار وزير التعليم الجنوب إفريقي قادر أسمال في مؤتمر حول المياه عقد في إحدى الدول الاسكندنافية في العام 2006 ، أنه بحلول العالم 2025 فإن «واحدا من بين كل ثلاثة من سكان العالم سيناضل من أجل العثور على المياه للشرب والاستحمام وبدرجة أقل للزراعة».

فهل تلقى المياه الاهتمام الذي تستحقه على طاولة المفوضات العربية التركية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً