في انتخابات مجلس جمعية المعلمين البحرينية الأخيرة، وفي مقرها بالعدلية، لم يكن ما يجري من تنافس على المقاعد هو ما يشغل الحاضرين من خارج الجمعية ونحن أولهم، بل ذلك المقر الكئيب الذي لا يعكس رسالة ومكانة المعلمين، ليس في البحرين طبعا، لأن المقر قد يكون مناسبا جدا إذا وضعنا في الاعتبار المعاناة المريرة التي يمر بها المعلمون في وزارة التربية والتعليم.
أول ما يشد الانتباه المكيف الذي يهدر من دون أن يخرج نسمة هواء باردة، وتلك الطاولات التي لا تجدها حتى في مطعم بائس لا يقدم إلا السمبوسة، وكل ذلك ليس بغريب وخصوصا إذا عرفنا أن ما تبقى من موازنة الجمعية لا يتعدى بضعة دنانير، وحتى أن أحد المدرسين علق على التقرير الختامي للجنة المالية حين ذكرت ذلك بقوله: هذا المبلغ اشتروا فيه سمبوسة أحسن!
أضف إلى كل ذلك ما يجري ويدور بشأن الكادر الذي كدر المدرسين ولم ينصفهم، ولاتزال المطالبات جارية من دون أن تلقى أذنا تسمع وتتفهم حجم المعاناة، وقد يقول أحدنا إن المدرسين لا يقومون بأي جهد بدني وكل ما عليهم هو تلقين الطلبة، ونقول لهذا الجاهل اذهب وجرب تدريس أو سمه تلقين 30 أو 40 طالبا، وتحمل الضغط النفسي في الصف وفي المدرسة وأنت تتعامل مع أطفال لم يكمل عقلهم الفهم والاستيعاب، أو مراهقين تجاوز عقلهم المعقول ولم يعد يعرف إلا العناد! أو اترك كل ذلك، وادخل دورات مياه الطلبة، سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية وستعرف من الكتابات جزءا بسيطا مما يعانيه المدرسون.
صحيح أن لدينا بعض المدرسين الذين يعشيون اللامبالاة، ولكن هذه اللامبالاة لم تأت من فراغ، فلا يمكن أن يعيشوا ما تبقى من حياتهم ينتظرون الوصول إلى سراب لا يسمن ولا يغني ولا “هم يحزنون”... ولكنهم حالات خاصة، ولا يمكن أن نعمم الاتهام على الجميع.
الغريب أننا نتعامل مع قطاع خطير جدا، وكيف لا يكون كذلك وهو القطاع الذي يعنى بتنشئة الأجيال وخلق المواهب، ولولا نجاحات المدرسين لما رأينا هذا الكم الهائل من الطلبة المتفوقين ليس محليا فحسب، بل على مستوى دول الخليج والعالم، ولا نبالغ في ذلك.
إن وضع المدرسين محزن للغاية، ويكفي أن تجلس مع أحدهم لتنتقل إليك عدوى الإحباط، ولنتصور انتقال هذه العدوى إلى الطلبة ففي النهاية سنحصل على قطاع ملؤه الإحباط بدءا بالمستخدمين وانتهاء بالطلبة، وستكون محصلة التعليم النهائية إحباط وإحباط! المسألة لا تتعلق بحادث دهس “سنور” أو قضية غربان هاجمت الأطفال ونعقت فوق المآذن والبيوت، ومع أني أتوقع أن تعامل الجهات الرسمية وغير الرسمية مع هذه القضايا يتسم بالجدية أكثر مما تتعامل الجهات نفسها مع قضايا المعلمين، ولكن تبقى الدعوة مفتوحة إلى إنصاف المدرسين، وستظل الدعوة إلى الإنصاف قائمة ونتمنى أن تستغل قبل أن تغيب أنصاف الحلول المتبقية وعلى الله المستعان.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ