العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ

المعركة الدستورية المؤجلة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

حينما تتكلم عن المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شفاه الله)، وتحاول أن تخرج بقراءة وأحكام استنتاجية بشأن ما آل إليه وضع أطراف وقوى المعارضة السياسية من تشتت وهوان غير مسبوق تاريخيا فمن حق الحكومة وبعض أطراف السلطة الضليعة في الأزمة الوطنية الحالية أن تبتهج، وتقوم بتوزيع أشهى الحلويات في شوارع البحرين. وحينما تذكر سيرة المناضل «بوأمل» الذي لم يستفق من غيبوبته بعد فأنت تتحدث حينها عن الغياب والفراغ والفراق الأكبر في الساحة الذي لم يوجد له من شاغل إلا التشوش والتراشق بالأجندة والملفات والأضابير السياسية المصيرية والتوهان بين مصلحة «الأمة» ومصالح الفئة والطائفة والجماعة، وذلك بدلا من أن تقوم هذه «المعارضة» بترتيب أجندتها، ووضع البدائل الملائمة للمشاركة في مواجهة للتحديات الحتمية التي لاتزال ماثلة دون أن تتزحزح قيد أنملة، وهو ما أدخلها في المرحلة الراهنة في متاهة من العبث السياسي والاستهلاكي اللاطائل منه والمضر كثيرا بصحة وعافية هذه القوى المعارضة التي ينبغي أن تقيسها بالمليمتر لكونها تعمل في النهاية ضد التيار العام والمهيمن!

ولعل ما كان يشغل حينها بال المناضل النعيمي كثيرا ومن خلال آخر اللقاءات معه قبل سفره إلى المملكة المغربية الشقيقة هو أمر المسألة الدستورية، وما آل إليه وضع «المؤتمر الدستوري» لكونه الخط الأول في الجبهة الأمامية في مواجهة ومصارحة الحكم والمفصل الرئيسي الذي لا خلاف عليه في إسناد باقي الأجندة الأخرى التي تتبناها قوى المعارضة، فهو قد أصرّ على موقفه وسط جدال شديد من الحاضرين في مجلسه على جدوى انعقاد مثل هذا المؤتمر، وأكد بحزم أن تواصل أعمال هذا المؤتمر وانعقادها وإن كان تواصلا رمزيا وشعائريا سنويا أفضل بكثير من انقطاعها أو تقطعها إلى غير رجعة، وبقاء الملف الدستوري الساخن والمعركة الدستورية في أوعية المعلبات والاحتياطات التكتيكية الخانقة أمام صدمات المفاجآت اليومية في المشهد السياسي المحلي. وكنت حينها اتفقت معه في هذا الموقف المشرف، وكتبت حينها مقالا بعنوان «ينعقد المؤتمر أم لا ينعقد؟!» أمام ما يثيره الإخوة من خيبات أمل ومحبّطات تصل إلى حد تكسير المجاديف السياسية!

وبالعودة إلى ما نحمله في جعبتنا ممّا تبقى من ذكرى عن «المؤتمر الدستوري» الذي غاب كثيرا سواء عن مجسات الإعلام أو عن مفردات ومحددات الخطاب السياسي المعارض سواء أكان على لسان «وعدي» أو «وفاقي» أو «منبري» وغيرها من ألسنة متهدلة لا تحوي عظما، فجميعنا يتذكر حضور النائب عبدالعزيز أبل الذي كان الفارس المغوار لـ «أم المعارك السياسية في البحرين» ألا وهي «المعركة الدستورية»، ويتذكر ما قاله عن قسمه البرلماني الذي أثار الجدل حينما قال «أنا أقسمت على دستور 1973 وليس دستور 2002»، وكيف انسحب حينها برشاقة ولطف سياسي من الأمانة العامة لـ «المؤتمر الدستوري»، وإن لم يكن هو قد انسحب من المؤتمر كما أخبرنا بذلك!

وإذا ما اعتبرنا في مقالنا «نداء من القلب إلى عبدالعزيز أبل» أن خروج أبل من الأمانة العامة للمؤتمر شكل اغتيالا ونحرا لـ «المؤتمر الدستوري»، وخيبة كبيرة لدى من عول على الجبهة الأمامية التي تراجعت كثيرا، فإننا في النهاية أمام عزيز أبل «الجنتلمان» الذي يرفض أن يكون مسيحا للجميع، وضحية نازفة ومصلوبة أمام تواطؤ وتراجع وتهور الأنصار، وهذا من حقه، وربما هو يتضاد تجاه «وعد - إبراهيم شريف» التي تجسد في وقتنا الحالي ما يبدو كما لو أنها فدائية برّاقة لـ «المسيح»، وتستحب أن تعطي «خدودها» العريضة والواسعة جدا لأكثر من ألف صفعة وركلة طائفية عسى أن تتوسل بها الشعبية و «الشعبوية» من جماهير تحركها الفتاوى المسيسة مدا وجزرا، فهذا المسيح اليساري التقدمي في النهاية لربما يحتار سيدنا «المهدي المنتظر» إذا ما خرج ذات يوم في شأنه الأيديولوجي والسياسي، ولكن ماذا عن دور العناصر التي تسلمت قيادة «المؤتمر الدستوري» في إسعاف هذا الملف المحوري، وإعادة استحضاره وإعادة تنظيم هذا المؤتمر، ولو شعائريا ورمزيا من أقل الإيمان؟!

أين هم خلفاء أبل عن هذا الملف الحاسم الذي يبدو كما لو أنه ألقي في غياهب النسيان؟!

مهما احترمنا وقدرنا هذه العناصر الحزبية التي تسلمت عهدة الملف الدستوري، فإننا لابد أن نصارح الجميع بأن هذا الملف لابد أن يستقطب مجهودات أكثر احترافية وكفاءة وخبرة وقدرة على التكيف والمناورة وإحراز ثقة مختلف الأطراف الرئيسية في مختلف الظروف والتهيئات السياسية، بدلا من الاعتماد على ذخيرة خطابية جامدة ومتكلسة ولو كانت عتيدة!

ومع ذكر مصير «المؤتمر الدستوري» فهنالك عودة ضرورية إلى «قاعة فلسطين» بجمعية «وعد» التي تستحضر بالك بقوة ما إن تطرأ موضوعة «الملف الدستوري» و «المؤتمر الدستوري»، هذه القاعة التي كان يحمل اسمها «فلسطين» مضامين القضية المصيرية والحتمية الأولى لدى العرب والمسلمين والبؤرة الأكثر سخونة عالميا وإثارة للتوترات الإستراتيجية، إلا أن من يعاين المشهد السياسي الحالي وبعين «وعدية» زائرة يدرك أن هذه القاعة واسمها «فلسطين» باتت حمّالة لمظاهر ومضامين أخرى تعكس في الوقت ذاته أثقال التشتت والخيبة والاغتراب والانحسار الشعبي حتى عن الحضور إلى الفعاليات الرئيسية التي تقام في هذه القاعة قبل الاهتمام بها، وربما ليس مبالغة القول إن حضور هذه القاعة على مدى أسبوع هم أقل بكثير من حضور مجلس عبدالرحمن النعيمي الذي كان يفتح مرة واحدة في أربعاء كل أسبوع!

هذه القاعة التي كانت محورا للكثير من الأنشطة والفعاليات السياسية الكبرى التي جمعت مختلف القوى والأطياف السياسية ووضعت الأجندة وناقشت البدائل، هذه القاعة التي احتضنت «المؤتمر الدستوري» أصبحت للأسف وفي غضون عام وكأنما هي «منبر من لا منبر له» حسبما يقال عن «منبر الجزيرة»، وحالها أشبه بحال القاعات التي يتم تأجيرها لإقامة حفلات الأعراس والزفات والمناحات الشعبية وربما «الهوسات» الشعبوية، فهي الآن أطلال خاوية من الأعضاء قبل الرفاق والأصدقاء والمناصرين الشعبيين، وتعكس للأسف تحول جمعية «وعد» وغيرها للأسف إلى مجرد حقول استهلاكية سياسوية تلتقط ولا تنتج، وتنشغل بالشوارد العابرة من المفردات والشئون الصحافية اليومية من «بنغال» إلى «السفيرة هدى نونو» إلى «حرق الإطارات» إلى نصرة «مجاهدين»، ولكنهم ليسوا بأبطال بحسب البيانات العائمة، إلى التفريق جيدا بين «فقيد» و»شهيد» وإن كانت لا تسعفها الرشاقة السياسية!

لذلك فـ «وعد - إبراهيم شريف» بحاجة إلى امتنان وشكر مستمر لبعض قوى الهيمنة وللحكم وبعض أطراف التأزيم السياسي على ما يلهموا به هذا التنظيم العتيد الذي شاخ مبكرا، و «تكرش» جيدا، وتواضعت قامته في غضون عام واحد، وهو لم يعد يفرز ويختص إلا بالبيانات المترهلة والمحاضرات الأربعائية التي تعكس النصف أو ثلاثة الأرباع الفارغة من القاعة التي كانت قبلها ممتلئة وغاصة، فبدلا من أن يكونوا هم المبادرين والمحاورين وواضعي الأجندة أصبحوا الباحثين عنها والمتلقين للسفاسف والفقاعات والإثارات التي تخترعها أطراف تأزيمية تعرف» الأصول» السياسية للمشهد جيدا!

وبعد أن كنا نرى تلك الأحداق المشتعلة في أوجه الشهداء الذين تطوق صورهم قاعة «فلسطين» وكأنما هي تواجهنا وتستحثنا على مواصلة المسير والدرب والنصرة، فإذا بالتآويل توشك أن تختلف وتتضارب، فهي الآن تبدو كما لو أنها أحداق مشتعلة بالسؤال والإبهام، أو هي أحداق فائضة بعلامات التعجب والاستفهام «إلى أين؟! إلى أين؟!» أو «أنتم إلى متى؟!»!

أنا أرى من الضرورة أن تتولى جمعية «وعد» إعادة زمام المبادرة والمثابرة بشأن الملف الدستوري الذي أصبح معركة أو «قيامة» سياسية مؤجلة، وأن تحاول قدر الإمكان إعادة تفعيل هذا المطلب وإعادة حيويته إذا ما تخلى وتراجع البعض عن دعمه لهذا الملف والمطلب، وتحلى بجلال الخيبة والإحباط والانهزام، فإعادة الاعتبار للملف الدستوري هي صمام الأمان الأخير للمعارضة لإثبات فاعليتها وجديتها وصدقيتها، وهو المجاز الوحيد المتبقي لتباحث مستقبل التنمية السياسية الحقيقية، ولانتشال روحية البرلمان المستضعفة، ومثل تلك «المصيريات» الماثلة لن تحققها أبدا «جلسات أربعائية» و «كشتات» سياسية وتأملات حالمة بـ «وحدة المعارضة» تعقد في المآتم والساحات، وهم يعرفون جيدا أن هذا الملف هو الأول والأخير!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً