العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ

«عابثون» و «سلبيون»... وأمور شتى

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يفهم ممّا يكرّره بعض كتاب الأعمدة توجيههم الاتهام إلى فئة من المجتمع البحريني، إذ يتهمون بعض هذه الفئة بـ «العبثية»، وبعضها بـ «السلبية»، وبعضها بأنهم «عقلانيون خائفون». بل يتعدى الأمر إلى التحدث باسم «العقلاء الخائفين» داخل هذه الفئة، والتبرّع لقيادة هؤلاء الخائفين لإنقاذهم من «العبثيين» و«السلبيين»، ويقترحون على الدولة أن تدخل على الخط لضبط هذه الفئة (بكل مجاميعها العبثية والسلبية والعقلانية الخائفة)؛ لأنها فئة «خُلقت هكذا ولن تتغير»، فهي من طبيعتها إما أن تكون «سلبية» أو «عابثة» أو «عاقلة ولكنها خائفة»... والنتيجة أن هذه الفئة البحرينية «دون مستوى التحضر»، ولا تستحق أن تعامل كبشر لهم حقوق متساوية مع غيرهم من الفئات المتحضرة التي تؤمن بـ «اتساق حياتها مع الدولة».

هذه العبارات - وأمثالها ومشتقاتها وتحويراتها - كرّرت كثيرا من قبل البعض، وربما كان أول من بدأها باحثة أوروبية جاءت إلى البحرين قبل ثلاثة أو أربعة عقود، وكتبت بحثا مبنيا على لقاءات مع أصحاب هذه الفكرة المريضة... ولكثرة تكرار هذه الفكرة، فإن بعضهم أعاد إنتاجها بتعبيرات أخرى، وكتبها في كتاب هنا وهناك، ومن ثمّ كرّرها ونشرها في كتابات صحافية تدور وتدور وتدور حول هذه الفكرة غير الإنسانية، وتبرّرها من خلال ضرب الأمثال القاصرة ومجريات الأحداث العابرة التي تحمل عدة أوجه، وليس وجها واحدا فقط.

أصحاب هذه الفكرة ربما هم أقرب ما يكونون إلى ما يطلق عليهم بـ essentialists، وهم أولئك الذين يؤمنون بـ «تعميمات مطلقة عن خصائص مجموعة من الناس»، ويعتبرون أن هذه الخصائص «لصيقة بنوع من البشر، وهي غير قابلة للتغيير أو الخروج عن السياق»... ولأن السمات الثابتة المرتبطة بهذه المجموعة البشرية هي هي منذ أبد الآبدين وستبقى كذلك حتى آخر ساعة في الكون، فإنه لا مجال للتفاهم مع من هم دون الخصائص المطلوبة للدولة العصرية، فهذه المجموعة البشرية تولد وهي مرتبطة ثقافيا وتكوينيا إما بـ «العبثية»، أو «السلبية»، أو «العقلانية الخائفة».

ربما إن المحصلة التي يودّ الخروج بها أصحاب هذه الأفكار هي أنه يجب الاستمرار في التمييز ضد هذه الفئة «لأنها فئة دون المستوى»، ويجب ضبطها (بل وربما قمعها باستخدام أجهزة الأمن والمخابرات والجيش)، ويجب عدم التسامح معها، وعدم إفساح المجال لها كي تتنفس، لأنها إن تنفست فلن يخرج منها سوى «السلبية» أو «العبثية».

أصحاب هذه الفكرة معذورون لأنهم محكومون بإطار صارم مفروض عليهم، وهم لا يملكون الإرادة للخروج من هذا الإطار. ثم إنهم استثروا ويستثرون من خلال دعم سياسات التمييز ضد الآخرين، وهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه ليس على أساس الكفاءات، وإنما على أسس أخرى ليس لها علاقة بالعصرنة أو الأنسنة. كما أننا نعذرهم؛ لأنهم لا يعرفون تاريخ البحرين، ولا يعرفون الفئات البحرينية التي يتحدثون ضدها أو باسمها، ولا يعرفون (أو أنهم يغضون طرفهم) كيف أن الفئة التي يتهمونها بـ «العبث» و«السلبية» كانت ومازالت تتقدم الصفوف مع «الإيجابيين» من جميع الفئات البحرينية التي ساهمت في بناء البحرين الحديثة، وكيف أن هذه الفئة التي لا يحبونها كانت دائما هي التي تنقذ الموقف (مع غيرها من عقلاء الفئات البحرينية الأخرى) عندما تحتاج البحرين إلى تضحيات، والعقلاء داخل هذه الفئة ليسوا خائفين، وإنما هم مهمشون ومسحوقون ومطرودون من جميع مواقع النفوذ تقريبا، حتى لو كانت مسميات وظائفهم تغرّ الناظرين.

وبسبب سياسة التمييز تلك تظهر على السطح أحداث تتسم بالعبثية أو السلبية، في مقابل أناس ماسكين بزمام الأمور يتسمون بالحقد والكراهية لإخوانهم من بني البشر.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً