يوم أمس كانت فرصة أعدها ثمينة بلقاء الكاتبة والتربوية مريم الشروقي، ودار حديث شيق عن واقع البيئة المدرسية في البحرين، ولا أخفيكم سرا أنني ذهلت من حجم الأنماط السلوكية غير السوية الموجودة في بعض مدارسنا.
وفي المساء وقبل كتابة هذا المقال تلقيت اتصالا من أحد أولياء الأمور يشكو وضع مدرسة ابنه، حيث يشكو من بعض الممارسات الخاطئة في هذه المدرسة والمفاجأة أن مصدرها هذه المرة هم بعض الطلاب، ما دفع زوجته لأن تذهب بالأمس لتعبّر للمدرسة عن هواجسها تجاه ما يحدث، وكذلك فإن الأب سيذهب إلى هذه المدرسة اليوم أيضا بغرض تصحيح المسار.
بالطبع لم يكن منشأ الحديثين في الصباح والمساء هو توجيه أصابع الاتهام والتقصير إلى وزارة التربية والتعليم، وإن كان لها قدر من المسئولية حتما، ولكن المسألة أكبر من ذلك بكثير، فإذا كانت وزارة التربية مقصرة بعذر أو من دون عذر، فأين هو دور الأسرة، وأين دور المجتمع في تقويم واقع البيئة المدرسية في البحرين.
مدارسنا الحكومية كثير منها بحاجةٍ ماسةٍ إلى تغيير المناخ العام، وحان الوقت لتجاوز النظرة التقليدية في التعليم، فالتعليم ليس مختزلا على لوحةٍ وصفٍّ وتلاميذ، اليوم نحن على هذا المستوى حققنا تقدما غير مسبوق، والبحرين كانت رائدة في ذلك، ويجب أن يشكر المسئولون في التربية على تحقيق شعار «التعليم للجميع»، وهذا من باب لا تبخسوا الناس أشياءهم.
ولكن هذا النجاح يقابله إخفاق غير مبرر على صعيد تهيئة البيئة المدرسية النموذجية، فالساعات الثمان أو الست التي يقضيها الطالب والطالبة تتطلب رعاية من نوع خاص، لأن المدارس هي الحاضنات التربوية الأهم، وهي مصدر الاتجاهات النفسية والسلوكية للأطفال.
كثير من مدارسنا تفتقد إلى مرافق مهمة وحيوية، فلا يوجد ملعب ولا حديقة مدرسية ولا أنشطة لاصفية.
الطالب -مع الأسف- لا يتعلم ثقافة الحوار وتعدد الآراء داخل المدرسة، وغالبية المدارس لا تتيح الفرصة لتشكيل مجالس طلابية، وبالتالي يحرم الطلاب من فرصة التعود على المشاركة في القرار، وإذا كان الطالب بدءا من المرحلة الابتدائية والمتوسطة فالثانوية لا يستطيع أن يعبّر عن رأيه ويدلي بدلوه تجاه مدرسته، فكيف يمكن له لاحقا فور تخرجه أن يكون جاهزا لممارسة حقه السياسي في الانتخاب.
ومن العناصر الرئيسية في تأخر التعليم (البيئة المدرسية) كما يراها الأكاديمي السعودي عبدالله المعيلي في دراسة تستدعي التوقف، بأنه كلما كانت البيئة المدرسية ممتعة مشوقة جذابة غنية بمثيراتها ومستلزماتها التعليمية، كلما كانت انعكاساتها إيجابية على انجذاب الطلاب للمدارس وحبهم لها، يشتاقون إليها شوقا عارما متجددا، يقبلون إليها يوميا بكل حيوية وبشر، لأنهم يجدون فيها ما يثري خبراتهم، ويلبي حاجاتهم، العقلية والنفسية والبدنية.
وزير التربية والتعليم ماجد النعيمى هو من الشخصيات التي نكن لها تقديرا خاصا، وهو من المصغين للآراء المختلفة، وبالتالي فاننا نستثمر هذا اليوم لنوصل له رسالة بأن الوزارة مدعوة لأن تلعب دورا أكبر في تطوير بيئة المدرسة البحرينية، ويجب علينا كمجتمع أن نمد يدنا ليد الوزير في خلق بيئة مدرسية نموذجية، يمكنها أن تنشئ الطالب في مناخ تربوي سليم، وأن ترعى مواهبه وتميزه، وتسمح له بأن يكون عنصرا من عناصر نجاح مدرسته التي تعني للطالب وخصوصا في المراحل التعليمية الأولى في كل شي.
الوزير النعيمى كان أعلن أن خطة الوزارة لتطوير التعليم والتى حظيت بموافقة مجلس الوزراء فى أبريل/ نيسان 2003 تضمنت حزمة متكاملة من البرامج والمشروعات التطويرية التى استهدفت تحقيق خمسة أهداف متكاملة هى التركيز على تحقيق جودة التعليم والارتقاء بأداء المؤسسة التعليمية على جميع المستويات والارتقاء بالممارسات والمناهج والأنشطة.
ومن النقاط المضيئة التي أشار إليها الوزير هي سعي الوزارة فى اتجاه تحقيق قيم المواطنة لدى الطلبة فضلا عن جعل المدرسة البحرينية بيئة مجتمعية حقيقية للحوار والنماء وتعزيز القدرة على التعلم مدى الحياة، وفي الحقيقة لا غبار على أهمية التصريح، وهو يعكس قناعة الوزير بأن النظرة السابقة للمدرسة كمعلم وطالب ومنهج قد تجاوزها الزمن، بل يجب الحديث اليوم عن المدرسة كحاضنة تربوية وبيئة اجتماعية متفاعلة مع المحيط، وليس مؤسسة مقطوعة من شجرة المجتمع.
في هذه الأيام تجوب المدارس هيئة ضمان الجودة لإجراء تقويم على المدارس، ونتمنى أن يكون التقييم يستهدف واقع البيئة المدرسية ليس من حيث الانضباط في الحضور والانصراف فحسب، وإن كان ذلك أمر مهم، ولكن المطلوب ما هو أبعد من ذلك، التقييم الأهم: هل البيئة المدرسية مؤاتية من حيث المرافق والخدمات، ومن حيث الأنشطة اللاصفية ومن حيث قدرة المعلم على المناقشة وإجراء الحوار؟، وهل يتمتع الطالب بحق التعبير عن رأيه فيما يتعلق بواقع مدرسته؟، كل هذه النقاط مهمة وتستدعي لفت النظر بل مراجعة كثير من الممارسات السائدة، وكما حققنا الإنجاز في مشوارنا التعليمي الطويل يجب أن نتوج الإنجاز بخلق حاضنات تربوية متميزة ومتفاعلة ومهيئة للإبداع، وكان الله في عونكم سعادة الوزير!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2301 - الثلثاء 23 ديسمبر 2008م الموافق 24 ذي الحجة 1429هـ