في ورقته التي قدمها في ورشة العمل الإقليمية التي نظمتها الحكومة اليمنية وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي بصنعاء العام 2003، أصاب المستشار الاقليمي للاتصالات وشبكات الكمبيوتر في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا عبدالاله الديوه جي، كبد الحقيقة بشأن الكثير من مشروعات الحكومة الإلكترونية العربية حين قال «إن التطور الشامل في تطبيق الحكومة الالكترونية مرتبط بالتركيبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإن برامج التطوير هي تلك البرامج التي تضع أولويات التطوير لتعكس القدرات البشرية وتوقعات المستفيد».
وأضاف أن معظم دول المنطقة لم تحقق نجاحات تذكر في حوسبة التطبيقات الحكومية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات بسبب الاعتماد المفرط على نظم ركيكة، وحماس الإدارات العليا كان منكبا على التباهي بمظهريات التكنولوجيا وليس استخدامها بشكل فاعل.
لذلك فإن المدخل الصحيح هو الابتعاد عن تقديس التكنولوجيا أولا، وتحاشي نزعة التباهي الأجوف ثانيا. بعدها يلج مشروع تشييد منصة الحكومة الإلكترونية طريقه من البوابة المناسبة، والتي هي تحديد الأهداف الرئيسية من وراء تنفيذ المشروع.
وفي نطاق تحديده لأهداف الحكومة الالكترونية، يلخص المحامي يونس عرب الإطار العام لتلك الأهداف التي تتمحور حول «تقديم موضع واحد للمعلومات الحكومية، ونقل المشتريات الحكومية على الخط (online) وتطبيق النماذج الرقمية واتاحة تعبئتها على الخط وتحقيق فاعلية الاداء الحكومي».
وإنجاز هذه الاغراض الاستراتيجية، وما يندرج في نطاقها من أغراض فرعية لا يمكن أن يتحقق دون اعتماد استراتيجية واضحة وحكيمة في بناء الحكومة الالكترونية، استراتيجية تنطلق من دراسة الواقع القائم ومشكلاته قبل المباشرة في نقل العمل الواقعي الى العمل الإلكتروني، إذ سيؤدي ذلك الى انتشار نواقص الواقع التقليدي الى البيئة الالكترونية.
ويتوزع تحقيق تلك الأهداف على ثلاث قنوات رئيسية يمكن تحديد أطرها الرئيسية على النحو الآتي:
قنوات تمس العلاقة بالمواطن مباشرة، والقصد منها تسهيل معاملات ذلك المواطن مع الدولة، لإنجازها، عبر أقصر الطرق، وأقلها كلفة، وأشدها سرعة، وأكثرها كفاءة.
قنوات تخاطب الأعمال بوصف كونها مؤسسات، وليس أفرادا، والغرض منها تسهيل إجراءات تأسيس أو تشغيل مؤسسات القطاعات، ما يشجع المؤسسات المحلية والأجنبية في آن، على التحول من التقليدي إلى الإلكتروني. ولابد هنا من إعطاء حوافز تشجع هذا التحول، بما فيها الحوافز المادية.
قنوات تختص بموظفي الدولة والمؤسسات المنبثقة عنها، من أجل ضمان لجوئهم إلى قنوات المنصة الإلكترونية لتوفير خدماتها لطالبيها من مختلف الفئات والمستويات، علمية كانت أم اجتماعية، بل وحتى «جندرية». هذا على المستوى الخارجي، غير الحكومي، لكن نجاح ذلك، رهن إلى حد بعيد، بقدرة الدولة على نشر نزعة استخدام القنوات الإلكترونية على أوسع نطاق في صفوف موظفي الحكومة، ففي حالهم تقاعسهم أو تلكئهم عن الانخراط كلية في هذا المشروع، تتحول المنصة إلى عملاق ضخم، يرتكز على قوائم هزيلة، لا تقوى على حمله لأداء مهماته. وترتبط كفاءة أداء أي من تلك القنوات بقدرتها على إنجاح مجموعة من المحاور من بين أهمها: نجاح جميع الأطراف المنضوية تحت تلك القنوات في الاستخدام الأفضل لخدماتها والوصول الأقصى إلى المعلومات التي تحتضنها، من خلال واجهات سهلة الاستخدام، وبعيدة عن تعقيدات يمكن أن يفرزها استخدام التكنولوجيا.
وصول تلك القنوات إلى درجة عالية من الجاهزية، تشجع المستخدم على اللجوء لها، مدفوعا بمجموعة من الحوافز من بينها قدرة مؤسسات الدولة على الاستجابة السريعة في الوقت المناسب، وتوفير الخدمة أو توصيل المعلومة، في الهيئة الملائمة وبالكلفة المنطقية. وهذا يتطلب تعزيز التقنية والبنية التحتية، ناهيك عن قدرات العاملين في القناة المعنية ومستوى ثقافتهم التقنية.
تكامل مكونات البيئة التكنولوجية والقنوات المحيطة بها، مع القيادات السياسية والإدارية، وتعاونها بما يضمن سلامة تلك البيئة، وأمن مستخدميها، دونما تمييز اجتماعي أو سياسي، على مستوى الخدمات العامة التي يحتاجها المواطن، فردا كان أم مؤسسة.
بقيت بعد كل ذلك مسألة في غاية الأهمية، وهي إدراك القائمين على تشييد منصة الحكومة الإلكترونية، أن الانتهاء من تشييد البنية التحتية وتدشين الخدمات، لا يعدو كونه المحطة الأولى في عملية متعددة المراحل، تحتاج، وعلى نحو مستمر، إلى الصيانة والتطوير والتحديث، شأنها في ذلك شأن مؤسسات وقنوات الحكومة التقليدية، بل وربما بوتيرة أسرع، إذ ستجد المؤسسة المسئولة عن إدارة وتسيير الحكومة الإلكترونية أنها مطالبة، وعلى نحو مستمر، بإشراك المواطن، وبشكل واعٍ، في استخدام خدمات المنصة والاستفادة الكلية من مجمل مكوناتها، معلومات كانت أم تطبيقات أم خدمات.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2301 - الثلثاء 23 ديسمبر 2008م الموافق 24 ذي الحجة 1429هـ