لقد طرح الوزير المغربي الأسبق عبداللطيف الفيلالي في كتابه أو بالأحرى مذكراته المعنونة «المغرب والعالم العربي» مقولات عدة من الصعب تناولها أو التعليق عليها في مقال موجز؛ ولذلك سنركز في هذا المقال على نظرة الفيلالي للجامعة العربية ومدى صدقيتها.
ونلخص نظرة الفيلالي هذه في النقاط التالية:
1 - إن الدول العربية السبع التي أنشأت الجامعة العربية العام 1945 ارتكبت خطأ جسيما وإن المغرب عندما انضم للجامعة العام 1956 ارتكب الخطأ نفسه. وإنه يتفق مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة أن الجامعة العربية لا تصلح لشيء لأن مقرها القاهرة وأمينها العام مصري وإن تونس كانت تحضر اجتماعاتها دون أن تشارك في أعمالها وقراراتها.
2 - إن العالم العربي لا وجود له بعد العام 1967 وأن الرئيس المصري جمال عبدالناصر كان يهدف من إقامة الوحدة مع سورية إلى جعلها إقليما تحت مراقبته سياسيا، وإنه كان يخطط لهيمنة مصر على العرب وأن عبدالناصر كان رجل الإخفاقات الأول في العالم العربي كما أطلق عليه بورقيبة ذلك.
3 - إن الحديث عن العالم العربي في الصحف ما هو إلا ضرب من ضروب الخيال، فالإسلام السني في شمال إفريقيا، غير الإسلام الوهابي الراديكالي للسعوديين والبلدان العربية يصعب الحديث عن كونها أمة واحدة والقادة العرب كانوا يحضرون الاجتماعات على مستوى القمة دون أن يكون لديهم استعداد لتغيير عقلياتهم، وهم لا يدركون أن العالم يتغير، ولذلك استمروا في عقلياتهم القديمة، وأنه عندما حصلنا على الاستقلال كانت الشعوب تتوق لمزيد من الاتحاد والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولكن للأسف نلاحظ أننا اليوم لم نكتفِ بالجمود بل تراجعنا للوراء.
4 - أشاد الفيلالي بمشروع الرئيس بوش عن الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا وكذلك بالمشروع الأوروبي وقال إنهم يعرفون المنطقة وظروفها الاقتصادية جيدا، وأكد أنه يشاطر الرئيس جورج دبليو بوش رؤيته للمنطقة ودعوته للقادة العرب لكتابة تاريخهم من خلال هذا المشروع ولكن القادة العرب لم يفهموا ذلك.
وبعد هذه الخلاصة البالغة الإيجاز لما ذكره عبداللطيف الفيلالي عن العرب والجامعة العربية فإن لنا بعضا من الملاحظات العامة نقدمها في الآتي:
الملاحظة الأولى: إن الدكتور عبداللطيف الفيلالي كان وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء في المغرب التي هي عضو في جامعة الدول العربية منذ العام 1956 أي إثر استقلالها وحتى الآن. أي أنه ليس كاتبا صحافيا أو مفكرا سياسيا له رؤية قد نتفق وقد نختلف بشأنها، بل هو رجل سياسي وصاحب قرار سياسي بحكم مسئولياته كوزير للخارجية وبحكم توليه منصب رئيس الوزراء، وأنه كان قريبا من القيادة السياسية في عهدي الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني. وبعبارة أخرى أن الفيلالي لم يكن يعيش في صحراء منعزلة بل كان صاحب قرار ودور طوال الفترة من 1956 وحتى خروجه بكتابه الآن عن «المغرب والعالم العربي»، والتساؤل الذي نطرحه: هل كانت رؤية الفيلالي هذه قائمة في الماضي؟ أم انه أتت له الحكمة متأخرة وبعد أن بلغ من السن عتيا؟ فإذا كانت تلك رؤيته منذ الماضي فهو غير صادق في مداخلاته في اجتماعات جامعة الدول العربية وغير صادق في مواقفه، وغير أمين لقيادته، وإلا فإنه كان يمكنه الاستقالة لأن مشاركة المغرب في القمم العربية والتي عقد بعضها في المغرب، كانت تتنافى مع قناعاته وكانت خداعا لذاتها وللعرب. وفي هذه الحالة لا يمكن أن نلوم الجامعة العربية على الإخفاق لأن الجامعة هي جهاز دولي يعمل وفقا لإرادة أعضائه فإذا كان الأعضاء غير أمناء وغير صادقين فاللوم يقع عليهم. وإذا كان الأعضاء أو كثيرون من نوعية الفيلالي هذه يقولون في الاجتماعات ما لا يؤمنون به، فلا عجب أن تخفق الجامعة العربية، والاتهام يجب أن يوجه إلى السيد الفيلالي لأنه خدع قيادته وخدع العرب ليس لخطأ خارجي أو لظروف خارجية وإنما لعدم قناعته بما يعلن وعمله ضد ما يتقرر، أما إذا كانت الحكمة جاءت للسيد الفيلالي متأخرة بعد أن بلغ من السن عتيّا، وأصبح لا أمل له في تولي مناصب حكومية فهذا ربما ينطبق عليه حالات الخرف العقلي، وينبغي أن يعامل على هذا الأساس لأنه يهذي، ويسيء لنفسه قبل أن يسيء لبلاده المغرب، وأفضل أن يعامل مثلما هي حالة رئيس وزراء «إسرائيل» السابق أرييل شارون، أو الرئيس الأميركي الأسبق ريغان، أو رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر، ويعامل مثل كبار السن الذين يهذون ولا يدركون ماذا يقولون وهذه حالة معروفة في تطور الإنسان وعاملها القانون - وأيضا القرآن الكريم - بالدعوة للحجْر على ذوي السفه حماية لأنفسهم ولغيرهم من سوء تصرفاتهم وأقوالهم وحماية للمجتمع من حالتهم العقلية هذه.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2301 - الثلثاء 23 ديسمبر 2008م الموافق 24 ذي الحجة 1429هـ