يُصرّ نوري المالكي على إبراز قدرته في منع الأميركيين من مهاجمة إيران عبر الأراضي العراقية! لا أدري إن كان هذا الكلام دقيقا، إذا ما علمنا أن العراق لا يزال خاضعا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومواده الثلاثة عشر.
الرجل على أية حال يعيش في وضع صعب لا يُحسد عليه. وهو يعلم بأن شورى الأميركيين له بشأن مستقبلهم على أرض بلاده هي شورى مُعلِمة له وليست مُلزمة لهم. وإذا كان المالكي لا يستطيع أن يُعطي ضمانة لحكومته «المنتخبة» من أن تبقى فكيف له أن يُعطي ضمانات لدول وحكومات خارج الحدود!
الأنباء التي يتم تداولها أميركيا هذه الأيام تفيد بأن القواعد العسكرية الخمسين التي تضمنتها نصوص «اتفاقية الصداقة» بين واشنطن وبغداد قد انتهى العمل منها تقريبا. ولم يبقَ سوى الانتظار حتى يناير/ كانون الثاني القادم موعد تفعيل الاتفاقية رسميا.
وبالرجوع إلى تصريحات الناطقة باسم السفارة الأميركية في العراق ميرمبي ناتنغو يتبيّن أن جزءا من هذا الهمس يبدو صحيحا حين قالت «نحتاج إلى إطار قانوني جديد ينظّم وجود القوات الأميركية في العراق ويحدد صلاحياتها»، ما يعني أن النيّة في البقاء هي حيّة تُرزق رغم صخب الانتخابات الأميركية.
من يرجع إلى نصوص الاتفاقية سيعلم بأن المالكي يعيش في مراسلة محمومة مع الإعلام وليس مع ثنائية السياسة/ المصالح التي من المفترض أن تكون هي الإطار لعلاقات الدول، وهو ما يفرض عليه العودة وبسرعة إلى «نقطة نظام» للإمساك بالملف بشكل أكثر ديناميكية.
الاتفاقية تشير إلى أن الأميركي له حق السيطرة على الأجواء العراقية حتى ارتفاع 29 ألف قدم، وحصوله على تسهيلات مفتوحة أرضا وجوا وبحرا. كما أن له حق اعتقال وسجن أي عراقي «يُعتقد أميركيا» أنه يشكّل تهديدا لأمنهم، بالإضافة إلى الحق في شن عمليات عسكرية لملاحقة «الإرهابيين» من دون الرجوع إلى الحكومة العراقية، وكذلك الاحتفاظ بالحصانة القانونية لجنودهم ومقاوليهم وشركاتهم الأمنية!.
الأكثر من ذلك هو أن الاتفاقية تنص على أن واشنطن تمتلك حق تفسير مفهوم الإرهاب، مع عدم إعطاء أية ضمانات لحماية العراق من أي اعتداء خارجي، أو حتى حماية النظام الديموقراطي فيه من أية مخاطر داخلية أو خارجية.
الأميركيون لن يسمحوا أبدا بأقل من ذلك. وهم اليوم يُمارسون أنواعا شتى من الضغوط على المالكي لكي يقبل. وقد ذكّروه قبل أيام بأنهم لن يُفرجوا عن الأموال العراقية (50 مليار دولار) التي يحتجزونها ما لم تُوقّع حكومته عليها.
وإذا ما عُلِم (حسب صحيفة الإندبندنت البريطانية عدد 05 يونيو/حزيران الجاري) أن الاحتياطيات المالية العراقية في الخارج محمية بأمر رئاسي أميركي يعطيها حصانة من الملاحقة القضائية، فإن انقضاء مدة التفويض الأممية للأميركيين في العراق دون وجود اتفاق بديل (الاتفاقية الأمنية) فإن العراق سيخسر عشرين مليار دولار من تلك الأموال وأربعين في المائة من احتياطاته من العملة الصعبة.
المالكي أمام خيارين اليوم. إما أن يطلب رسميا من الأمم المتحدة تمديد وجود القوات الأميركية على أراضي بلاده، أو أنه يلبس لامة الحرب كما لبسها جدّه محمد حسن أبو المحاسن في ثورة العشرين، والاستعداد للمواجهة لرفض الكابيتولاسيون الأميركي الجديد كما رفضه الإمام الخميني في إيران.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ