تستضيف مدينة جدة السعودية في 22 يونيو / حزيران 2008 اجتماعا لمنتجي النفط ومستهلكيه لمناقشة أسعار النفط، وذلك في أعقاب الدعوة التي وجهها العاهل السعوي الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود للطرفين، والتي يبدو أنها محاولة لانتشال السوق النفطية من فوضى الأسعار التي باتت تسودها. الملفت للنظر أن هذه الدعوة ترافقت مع توقعات متضاربة، بل وربما متناقضة بشأن مستقبل أسعار النفط، وخصوصا ذلك الذي تنتجه الأوبك.
ونشر موقع سي إن إن (CNN) مجموعة من الدراسات والتصريحات لخبراء نفطيين، ومحللين ماليين. فهناك الدراسة التي أعدها مدير تحرير مجلة «فورتشن» (Fortune) شون تيلي من أن والتي تحذر من أن «استمرار ارتفاع أسعار النفط سيقود تدريجيا إلى العثور على موارد جديدة للطاقة من جهة، وسيدفع إلى تبديل أساليب الاستهلاك من جهة أخرى، الأمر الذي يعيد التوازن إلى الأسواق والأسعار... (ومن ثم) عودة أسعار النفط خلال الفترة المقبلة إلى التراجع بقوة نحو مستوى 50 دولارا تحت تأثير قواعد عمل السوق والعرض والطلب».
ويشارك تيلي هذه التصورات المتشائمة بشأن مستقبل أسعارالنفط، محلل شئون النفط لدى مؤسسة «كامرون هانوفر» الاستشارية بيتر بوتيل الذي يصف ما يحدث على صعيد الأسعار بأنه «جنون». ويتوقع أن يرى العالم «خلال» أسابيع أو أشهر وليس سنوات انهيارا كبيرا في الأسعار».
ويتفق معهما، ولكن بنظرة أكثر واقعية واتزان، كبير خبراء الطاقة لدى «دهلمان روز» الاستثمارية في نيويورك نيل دينغمان، الذي يرجع اتجاه الأسعار نحو الأعلى بهذه السرعة تؤشر إلى وجود دعم من لاعبين ماليين، وهو يعتبر أن «اتجاه الأسعار صعودا أمر صحيح على مستوى التحليل الفني، لكن السرعة التي تسير بها الأسعار غير منطقية». ويتوقع دينغمان أن تعود «الأسعار خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلى مستويات 70 إلى 80 دولارا، مع ازدياد الإمدادات تدريجيا لدى الدول المنتجة من منظمة «أوبك» وخارجها».
مقابل هذه الأراء التي تتوقع تراجع أسعار النفط إلى مادون 100 دولار، هناك توقعات الرئيس التنفيذي شركة جازبروم الروسية اليكسي ميلر الذي يتوقع أن «يتضاعف سعر النفط الخام خلال ثمانية عشر شهرا ليصل الى 250 دولارا للبرميل وأن يرفع معه أسعار الغاز أيضا. ويؤكد ميلر على أن «قوة الطلب لا المضاربات هي العامل الرئيسي في ارتفاع أسعار الهيدكربونات».
ويعزز تيلي ما ذهب إليه من تراجع أسعار النفط بالشكل الدرامي الذي وصفه بالعودة بالذاكرة إلى بعض الظواهر الاقتصادية المماثلة التي عرفها التاريخ الغربي القريب، «كارتفاع أسعار المنازل في الولايات المتحدة خلال عامي 2002 و2003 ، وبما حدث العام 1980، عندما قفزت أسعار الفضة من 10 إلى 50 دولارا بحجة وجود نقص في العرض. فاندفع الغربيون إلى بيع آنية المنازل الفضية، الأمر الذي كدس كميات كبيرة من المعدن النفيس، أعادته إلى مستويات السابقة».
هذا التضارب في التحليلات، ومع استمرار الارتفاع في الأسعار على النحو الذي شاهدناه خلا النصف الأول من العام 2008 ، دفعت البعض إلى التحذير من «صدمة نفطية ثالثة». ومدير مجلة «بترو استراتيجي» بيار ترزيان، من بين الأقلام التي تعتبر «زيادة أسعار النفط كانت أقوى بين 2003 و2007 لكنها تدريجية، ولم يتجاوز سعر البرميل أعلى مستوى في 1979 بالقيمة الحقيقية». هذا إذا إستثنينا التضخم. لكنه يحذر من أن «الصعود كان كبيرا جدا منذ الفصل الأول من 2008 ومستويات الأسعار مرتفعة إلى حد يمكن معه الحديث عن صدمة نفطية». ومن المعروف أن الصدمة النفطية الأولى قد حصلت بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول العام 1973، حين انتقلت السلطة من الاحتكارات النفطية إلى منظمة أوبك، وشهدت في الوقت عينه ارتفاع سعر برميل النفط من 4 دولارات إلى 13 دولارا. ثم كانت الصدمة النفطية الثانية بعد سقوط الشاه وانتصار الثورة الإيرانية في العام 1979، إذ قفز سعر برميل النفط من 13 دولارا إلى 40 دولارا، وبلغ النفط آنذاك مستواه القياسي: 99.04 دولارا في أبريل/ نيسان 1980.
ما يهمنا نحن العرب، وعلى وجه الخصوص في منطقة الخليج، هو كيف سيتم التصرف بالعوائد النفطية، والتي هي كبيرة حتى لو جرى تسعير النفط بأكثرها تشاؤما. لقد تسربت، بوعي أو من دون وعي، أموال الصدمتين الأوليين الطائلة التي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط، إلى البنوك الأميركية والأوروبية في صورة ودائع واستثمار في الأسهم والسندات الأميركية. كما وجهت أموالا طائلة أخرى في مجال المضاربة على الذهب، الذي ارتفعت أسعاره آنيا، ثم انهارت مخلفة خسائر فادحة لبعض دول الخليج.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ