العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ

قطع أرزاق الصيّادين في البحرين... جريمة أم قدر؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

أذكر أنه في إحدى مناسبات العزاء وفي حديث مع ناشط حقوقي مخضرم بشأن آخر المستجدات السياسية في المشهد المحلي والإقليمي، فتطرّق هذا الناشط الذي خبر سنينا من النضال والمعاناة في سبيل المبدأ والحرية تفوق سنين عمري وقال لي بالحرف الواحد: «هنالك جريمة إبادة جماعية وتدمير شامل ترتكب في البحرين على وجه التحديد ولا أظن أنه قد تجرأ طرف متسلّط ومتنفذ على ارتكاب مثيل لها في أية دولة أخرى من دول العالم، هذه الجريمة الكبرى التي لا يحدها حدٌ ولا توجد هنالك من عقوبة تردعها تشمل تدميرا ساحقا وماحقا للعلاقات التفاعلية بين الإنسان البحريني وبيئته الحيوية أكانت برا أم بحرا أم زرعا!» ولا أظن أن أخانا كان مبالغا في ما ذكره فمن يشاهد حال مهن بحرينية أصيلة كالزراعة وصيد الأسماك وغيرها وقد أوشكت أنْ تكون تراثا وفلكلورا صامتا، فتنقرض من انقراض واضمحلال محيطها البيئي وغرق أصحابها في وحل اغتراب مع الذات ومع البيئة المتجيفة والوطن الذي ضاق بأبنائه، وكأنما هم أضحوا مع موعد لمصادرة الأرزاق المعيشية لمن يعتمد بشكل أساسي على هذه المهن كمصدر رئيسي للعيش الكريم ولإعالة أبنائه!

إنّ مناسبة مثل هذا الحديث هو تأمل الحال البائس والمأساوي الذي وصلتْ إليه المطالب المشروعة للصيادين البحرينيين والذين تضرروا كثيرا بفعل عمليات الدفان والردم الجائرة التي شوهت إنْ لم تكن قد أبادت واجتثت المعالم الساحلية لجزيرة البحرين التي لطالما كانت موئلا للغذاء وللتنوع البيئي الخلاب منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى واقع التلوث بفعل المخلفات الصناعية لـ «المشاريع الحيوية» التي أوشكت على إفناء الحياة البحرية في قاع البحر ولم نجد حتى أدنى اهتمام معلن في هذا الصدد وذلك من قبل الهيئات المنوط بها حماية البيئة والتي بدت للأسف وكأنما تقوم بأدوار صورية في هذا المجال لربما من فرط ارتكاب الجرائم البيئية أو لوجود خلل إداري ما؟!

هؤلاء الصيادون في سترة والزلاق والمحرّق وجميع مناطق البحرين قال لي أحدهم متحسرا ومبحوح الصوت بأنه لو قام أحدهم ذات يوم بتقطيع جسده فإنه لن يجد سوى فوران ماء البحر وملحه بدلا من فوران الدم، فالبحر كان على الدوام منذ نعومة أظافره مصدرا للرزق ولتأمين المعيشة الكريمة له ولعائلته، وإذا بالصيادين يصبحون مفجوعين في جثة هامدة كانت بحرا ولا ينالون منها إلاّ أوساخا وسموما ومخلفات ثقيلة بلون الخيبة والخذلان تتلف أدوات صيدهم المتواضعة وتبشرهم بقطع أرزاقهم بفضل تمادي شبكات المتنفذين «الطيبين»، وخذلان الحكومة بفعل انسداد القنوات المؤسساتية المشروعة التي لم تعد مجدية ولم تزد بخذلانها طين المخلفات إلا بلة متحسرة، فبات الحديث عن إتيان هذا الخذلان الرسمي أو توقع مجيئه من طبيعة مسلمات القدر!

ولكن وبحسب الصيادين البحرينيين المفجوعين بما آلت إليه أوضاعهم من أوضاع البحر وهم الذين لم يتركوا بابا إلاّ وطرقوه، فإنّ خذلان قضيتهم ومطالبهم بالحصول على تعويضات عادلة جراء الأضرار التي تسببت بها الجرائم البيئية على المحاصيل الغذائية البحرية التي يعتمد عليها الصيادون بشكل رئيسي وعلى رأسها محصول الروبيان، فإنّ هذا الخذلان الأعظم أتى من «نواب الشعب» ومن أعضاء البرلمان والسلطة التشريعية المنتخبين ومن بينهم النواب المحسوبون على «الوفاق»، فجميعهم أظهروا في هذه القضية الوطنية الملحة أنهم «انهزاميون من الدرجة الأولى» وأنهم «لا ينشد بهم الظهر» وليست بأياديهم التي طالت وجاهة وتشريعا وعلاقات مع كبار المسئولين في المملكة أدنى حيلة لإسعاف فاجعة الصيادين باضمحلال أرزاقهم وأرزاق البحرينيين منذ آلاف السنين، نواب «الوفاق» أثبتوا للأسف أنهم وكغيرهم «المفروغ من أمرهم» بأنهم لا يعدو على أنْ يكونوا في واقع الحال سوى نواب فرجان و»دواعيس» وضواحي ومناطق ومجمّعات سكنية أكثر من كونهم نوابا للشعب وللقضايا، فيا تعاسة حال هؤلاء الصيادين البحرينيين ومطالبهم بالتعويض العادل التي لم تلق أدنى صدى من القنوات الرسمية ومن النواب! ليس لسبب سوى أنّ هذه المطالب هي مطالب وطنية لا يمكن حصرها بفئة أو طائفة أو منطقة من دون غيرها، وهي بلا شك نغمة ممقوتة حاليا في البحرين وإنْ كان الواجب العام والتحدي المصيري يحتم على جميع صيادي البحرين وخصوصا صيادي الروبيان وهم أشد المتضررين ممن يعتمدون على هذه المهنة كمصدر وحيد للرزق أنْ يتحدوا في توحيد مطالبهم بنيل التعويض العادل على هذا المصاب العظيم في السواحل والمصائد والثروة السمكية وفي حطام الأمن الغذائي الذي لم يشهد مثله البحريني من قبل!

وفي ما يتعلّق بـ «الأمن الغذائي» البحريني فإننا وإن كنا نشكرالحكومة على جهودها المباركة في الاهتمام بذلك الملف وسعيها في ما تردد بشراء حقول للأرز في جزر الفلبين للتخفيف من الغوائل المعيشية للبحريني الذي لم يعد يفرق بين «عائلة» و»غائلة»، إلا أنّ ما ينبغي الإشارة إليه هو أنّ الأمن الغذائي لم يكن قط مفهوما ضيّقا إلى هذه الدرجة التي يمكنك أن تحجمه بضمان استيراد وتحصيل سلعة غذائية محددة كشراء حقول زراعية للأرز في الفلبين أو ربما أشجار الكاكاو أو أشجار الموز وشجيرات البن في دول أخرى تربطنا بها علاقات مثمرة جيدا، وإنما الأجدى والأولى هو الاعتماد على العناية بالموارد الغذائية المحلية وتنميتها باستمرار وإعداد البحوث والدراسات الراصدة باستمرار لأحوالها وعوامل بقائها، وما تواجهه هذه الموارد والثروات الوطنية من تحديات وعلى رأسها الثروات البحرية كالأسماك والروبيان، واتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه من يهدد باستنزاف وتدمير تلك الثروات بما يرتكبه البعض من خروق وجرائم بيئية في حق الجميع مواطنين وقاطنين، فجميع تلك العمليات والأسس والأولويات هي ضمانات ومداميك لمفهوم «الأمن الغذائي البحريني» التي أغفل عنها الحكم كثيرا للأسف!

ولو كان الجميع مدعوا بلا استثناء إلى حضور مراسم توديع وعزاء وتأبين البحر في البحرين فإنه لا يوجد هنالك من الأطراف المسئولة ممن يريد أن يتحمل كلفة هذا الوداع والعزاء على رغم أنه الأول والأخير من نوعه على مر ملايين السنين، وليس هنالك مَنْ يود أنْ يقدم واجب العزاء للصيادين البحرينيين الذين تيتموا بفقدان عائلهم البحري، وأصبحت مخالفة القوانين أقرب إلى أن تكون منجاة بائسة لهم، وبالتالي الصياد البحريني مرشحا؛ لأن يكون إما معتقلا في قطر أو في إيران، ولا أحد يريد أنْ يعوّض الصيادين البحرينيين عما فقدوه وهو ما لا يقدر بثمن، فهل سيكون حينئذٍ بمقدور الدولة أنْ تستقبل جيوش العاطلين عن العمل التي سيشكلها الصيادون الذين لم تعد مهنهم مجدية وكافية لسد الرمق؟!

وهل ستتحمل الدولة في المستقبل تبعات «تسييس» وانتزاع هذا الملف من قبل أية أحزاب وتيارات سياسية مغضوب عليها كملف ابتزاز دسم تواجهه بها محليا ودوليا في يوم من الأيام؟!

وبما أننا اخترنا كمركز لمعالجة الكوارث الطبيعية كما أعلنوا عن ذلك فهل سنفلح في معالجة كارثة أمننا الغذائي البحري وكارثة تدمير مصائد الروبيان والأسماك، وما سيترتب عليها من عواقب وخيمة قد تلعننا عليها الأجيال القادمة وتجرف قبورنا لتقاعسنا عن حلها (لا قدر الله)!

وإلى متى ستغلق وتوصد جميع الأبواب في أوجه الصيادين البحرينيين وإلى متى سيتهرب البعض من أداء مسئولياته الأولى تجاه مواطنيه؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً