أجرت صحيفة ألمانية مقابلة مع رئيس جامعة القدس سري نسيبة، وفيما يلي نص المقابلة:
تحتفل «إسرائيل» حاليا بالذكرى الستين لاستقلالها. كيف ترد على ذلك كفلسطيني؟
- سري نسيبة: لا أعتقد أن عدد سنوات وجود «إسرائيل» يحدث أي فرق. من الطبيعي الاحتفال بالمناسبات، وهذا ينطبق على «إسرائيل» كذلك. من ناحية أخرى تعتبر النكبة بالنسبة لنا الوجه الآخر لما تحتفل «إسرائيل» به على أنه استقلالها. سوف يبقى هذا التناقض إلى أن نحصل على تسوية وتصبح هناك علاقات جديدة بين الجانبين.
هل تعتقد أن حق العودة كما هو مفهوم تقليديا مازال قائما بعد ستين سنة من بدء النزاع؟
- شخصيا، أعتقد أن عودة اللاجئين حلم لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب. أولا، لا يمكن تحقيقه من ناحية أن يعود اللاجئ إلى البيت الذي أُخرج منه والداه أو أجداده. لقد دمرت معظم هذه البيوت ولكن هناك حق قانوني، الأمر الذي يعني أنه يجب أن يكون باستطاعتنا المطالبة بتعويضات، على سبيل المثال، أو نوع آخر من التعويض مقابل النفي.
من وجهة نظري، يحتوي الحل كذلك على حقيقة أنه ستكون هناك دولتان وأنه سيكون بإمكاننا تعويض اللاجئين ماديا ومعنويا من خلال تمكينهم من مباشرة حياة جديدة بدلا من القلق بأمر غير ممكن عمليا، كالعودة بالمعنى التقليدي.
إذا أُريد حل مشكلة اللاجئين فسيتطلب ذلك من الإسرائيليين التضحية بشيء ما: كامل القدس الشرقية، وخاصة المدينة القديمة والمناطق المقدسة. وهذا سيكون الثمن لقاء التنازل عن حق العودة. أعتقد أن اللاجئين الفلسطينيين سيكونون على استعداد لتقديم هذه التضحية.
لقد رفضت دائما عسكرة الانتفاضة الثانية. كيف تستطيع إقناع المواطنين الفلسطينيين بمفهوم المقاومة اللاعنفية؟ وهل هناك أمثلة كان فيها اللاعنف ناجحا؟
- نعم، هناك الكثير من الأمثلة في التاريخ أثبتت كيف تم تحقيق الأهداف السياسية بأساليب سلمية. أنا لا أقول إن الأساليب السلمية هي دائما الأساليب المنطقية الوحيدة. لا أعرف إذا كان ذلك صحيحا. ولكن ما أعلمه هو أن استخدام العنف لم يساعدنا أبدا في فلسطين، وإنما على العكس، أضر بنا.
عندما اندلعت الانتفاضة الأخيرة - على سبيل المثال، وأنا أسميها كذلك بتردد لأنها لم تكن أبدا ثورة شعب - أعطت التفجيرات الانتحارية لـ «إسرائيل» مبررا لبناء جدار الفصل الذي لم يقسم القرى فحسب بل سيجعل من المفاوضات المستقبلية أمرا أكثر صعوبة. نتيجة لتلك الانتفاضة نحن الآن في وضع أسوأ مما كنا عليه في فترة كامب ديفيد.
نحن الآن نطلب العودة إلى وضع سنة 2000 بدلا من العودة إلى حدود العام 1967. ونطلب من الأميركيين فرض ضغوط على «إسرائيل» لتفكيك عدد ولو قليل جدا من مئات الحواجز ونقاط التفتيش. موقفنا التفاوضي مثير للشفقة، وأعتقد أننا وضعنا أنفسنا في هذا الموقف المؤسف.
من المعروف جيدا أن غالبية الإسرائيليين إضافة إلى غالبية الفلسطينيين يدعمون الحل السلمي على أساس الدولتين. ما هي المعوقات التي يجب على هذا الحل أن يتغلب عليها؟
- لا يوجد إجماع على الجانبين بشأن الشكل النهائي لحل الدولتين. عامل آخر هو في النزاع بين ما تريده الزعامة السياسية وديناميات التطورات الحقيقية. لا ينتظر التاريخ قرارات السياسيين وأعمالهم. إضافة إلى ذلك لا يوجد هناك اهتمام جاد على أي من الجانبين، وفي واقع الأمر قد لا يكون هناك حل على أجندتهم، وهم لا يقضون وقتا كافيا في الوصول إلى حل جاد.
هل هناك أية فرصة ليتم تنفيذ مقترحات الرئيس بوش بإنشاء دولة فلسطينية هذه السنة على رغم ضعف كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره الإسرائيلي إيهود أولمرت؟
- منطقيا يفترض أن يكون ذلك ممكنا، ولكنني نادرا ما أتوقع ذلك. إذا اتفق عباس وأولمرت على شكل دولتين، وأنا واثق أنهما يستطيعان توقيع اتفاقية كهذه في أي وقت، فإنهما سيظهران أمام الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ليشرحا لهما أن هذا الاتفاق هو في صالح الطرفين. وقتها يمكن للطرفين عقد انتخابات جديدة.
يعلن عباس أن الاتفاق هو برنامج «فتح» السياسي، ويدير أولمرت كذلك حملته الانتخابية على أساس الاتفاق. إذا حصل ذلك فستتم إعادة انتخاب كل منهما وسيستطيعان بعد ذلك تنفيذ الاتفاق.
لذلك لا أرى ستارا حديدا في طريق الحل. كذلك لا أعتقد بأن أولمرت وعباس غير قادرين على الوصول إلى اتفاق كهذا على رغم ضعفهما. يعتبر السياسي إما عملاقا سياسيا أو قزما، على أساس ما يفعله فعليا. إذا تسنى لأولمرت أو عباس تحقيق شيء كهذا فسوف يعتبران تاريخيا عملاقين سياسيين في غضون 24 ساعة.
وهل تستطيع توقع ذلك؟
- أعتقد أن كلا منهما متردد أكثر من المفروض، وأولمرت بالذات في وضع أسوأ مما كان فيه قبلا. لهذا السبب قد نفقد هذا الحل إلى الأبد.
ما هي الأخطاء التي ارتكبها الزعماء العرب والفلسطينيون خلال السنوات الستين الماضية؟ هل تركت القيادة الفلسطينية فعلا فرص السلام تنساب، كما يُدعى دائما؟
- بالطبع. على سبيل المثال، عندما وعد وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور اليهود بوطن في فلسطين العام 1917 احتج أجدادنا وتظاهروا. كان من الأفضل لو استأجر زعماء الطوائف طائرة وطاروا إلى لندن لمخاطبة وزير الخارجية. كان يتوجب عليهم بحث الأمور وإيجاد دبلوماسية فلسطينية. لو أنهم فعلوا ذلك لكانوا في موقف للسيطرة على الأمور بشكل أفضل.
في الثلاثينيات كانت هناك مخططات لإنشاء دولة على كامل فلسطين يسيطر عليها كل من المسيحيين والمسلمين واليهود على ثلث. كان سيكون للعرب ثلثان. رفض العرب ذلك أيضا. لو أنهم قبلوا لكانوا في موقف أفضل اليوم. وهكذا، في كل مرة ساء وضعهم بشكل زائد نتيجة أخطاء قيادتهم التي لا تعد ولا تحصى. صحيح أن نصف المشكلة ينبع من الاحتلال، ولكن النصف الآخر هو مسئولية قياداتنا تاريخيا.
إذا لم يتمكن السياسيون من تحقيق السلام، فهل نستطيع وضع أملنا في المجتمع المدني في «إسرائيل» وفلسطين؟
- لا أعتقد أن أيا من الطرفين الآن في موقع ليفعل ذلك. لسوء الحظ ليس عندنا موقف يستطيع الجمهور فيه أن يأخذ زمام المبادرة، لأن أيا من الطرفين لا يعرف ماذا يفعل أو إلى أين يذهب. وعلى رغم ذلك أعتقد أن مرحلة أخرى ستبدأ خلال شهور قليلة أو سنوات قليلة يكون فيها الشارع قادرا على الضغط على الجانبين.
هناك جدل في الغرب بشأن كيف يجب التعامل مع الحركات الإسلامية. هل يتوجب على الغرب أن يتحدث معهم وأن يحاول احتواءهم سياسيا؟
- أعتقد أن الحركات الإسلامية تشكل عنصرا لا يتجزأ من الخريطة السياسية والثقافية للعالم المسلم. لماذا ننادي بحوار مع اليهودية وفي الوقت نفسه نرفض الحوار مع الحركات الإسلامية؟ في نهاية المطاف لا يعني الحوار الاستيلاء على أفكار الطرف الآخر.
هناك مبادرات عديدة مختلفة لتقوية الحوار بين الثقافات والديانات، ولكنها لم تؤدِ إلى النتائج المرجوة. أين ترى نقاط الضعف في حوار كهذا؟
- عندما نتحدث عن حوار كهذا فنحن نعني دائما الحوار بين الديانات التوحيدية: اليهودية والمسيحية والإسلام. ولكننا لا نتحدث أبدا عن العلاقة بين البوذية والهندوسية حيث لا توجد أية مشاكل خطيرة حقيقية. على النقيض من ذلك كانت ديانة الشنتو أصلا الديانة السائدة في اليابان، وعندما أتت البوذية من الصين لم يستغنِ اليابانيون عن الشنتو وإنما أصبحوا بوذيين كذلك ودمجوا بين الديانتين.
يبدو أن المشكلات تنشأ بالدرجة الأولى بين اليهودية والمسيحية والإسلام، لأنها متماثلة إلى درجة كبيرة ولها الأصول نفسها. تستطيع البوذية أن تتعايش مع الشنتو بالذات لأنهما مختلفتان كثيرا.
يكمن الحل بالدرجة الأولى في التخلي عن التطرف والتعصب في الأديان كافة، وفي توجيه أنفسنا في القيم الإنسانية وليس في القيم الدينية، لأن باستطاعة الجميع الاتفاق على القيم الإنسانية. وإذا كان هناك تعارض في القيم الإنسانية أصبح علينا واجب ترجيح القيم الدينية. هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يوصلنا إلى القبول المتبادل.
* رئيس جامعة القدس منذ العام 1995 ويدرس الفلسفة هناك. التزم منذ فترة طويلة بالسلام في الشرق الأوسط وقد نشر كتابه «في بلد ما: حياة فلسطيني» حديثا بغلاف ورقي من قبل دار بيكادور للنشر.
كتب هذا الحوار أصلا بالألمانية، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ