العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ

آخر أساتذة العراق!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلنا نتمنى للعراق التحرر من نير الاحتلال الأميركي، وألا يضطر إلى توقيع اتفاق يمس سيادته وكرامة شعبه.

كلنا نريد للعراق أن يكون بلدا عربيا إسلاميا مستقلا بمعنى الكلمة، لا يحتضن قواعد عسكرية أجنبية كما تفعل بعض البلدان «المستقلة»، ولا يبقى فيه جندي أميركي أو بريطاني أو أسترالي، لكن أمنياتنا لا تبيح لنا أن نمارس الوصاية و «الأستذة» على العراقيين، وتعليم من أخرج الانجليز في عز امبراطوريتهم دروس المقاومة والتحرير!

وإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها، فإن العراقيين أدرى بتحقيق الخلاص من نير المحتل، بالطريقة التي تناسبهم وتحفظ مصالحهم. وعلى رغم أن هذا الكلام واضحٌ وصريحٌ، إلا أن هناك من يفهمه على أنه دفاعٌ عن المحتل!

العراق كان في قبضة الاستبداد قرونا، والاستبداد ليس له مذهبٌ أو دين، فالمستبدون موجودون في مختلف المذاهب والأديان، والاستحمار الفكري هو الذي يقود الناس إلى الدفاع عن الطغاة والظالمين فقط لانتمائه إلى الطائفة، وهذا منتهى الاستهتار الذي يتعرض له العقل العربي الآن.

العراقيون ليسوا بِدْعا من الشعوب، فهم بشرٌ ممن خلق، ولا يوجد شعبٌ يحب أن يُحكم بالعصا والنار. حتى الألمان لما تكشفت عنهم الغمامة النازية، أخذوا ينظرون إلى هتلر كـ «هتلر» وليس كمنقذٍ للرايخ. وحتى اليابانيون عندما سقطت قبضة العسكر أنزلوا الامبراطور من السماء باعتباره «ابن الشمس»، إلى مجرد رجلٍ اسمه «هيرو هيتو»، وقع يوما وثيقة الاستسلام.

كل هذا يجري في بلاد العالم إلا عندنا نحن العرب، فعندما يسقط طاغيةٌ دمويٌ في قامة الحجاج، ننصِّبه في اليوم التالي سيدا لشهداء القرن!

علينا - كعرب - أن نفهم أن العراقيين خارجون توا من واحد من أكثر عهودهم ظلمة واستهتارا بحياة البشر، ومن المؤكد أنه لا يراودهم الحنين للعودة إلى تلك الأيام. هذه المسلَّمة على بديهيتها القاتلة، هناك من لا يريد أن يفهمها، لأنه ببساطة لا يفهم، ولم يقرأ في حياته كتابا واحدا عن العراق! وكل ثقافته يتلقاها من بعض الفضائيات العربية التي يحتقرها العراقيون.

لست أريد الدفاع عن شعب العراق المبتلى، فهو كغيره من الشعوب، له نواقصه وله مزاياه، ولكن لابد أن نفهم كيف تتشكل مواقف العراقيين منا نحن العرب. فالمؤكد أنهم يحملون قدرا غير قليل من الاحتقار والكراهية للدول العربية التي انطلقت من قواعدها العسكرية الطائرات الأجنبية التي قصفت مدنهم وهدمت بيوتهم. وهم مازالوا يتذكرون مساهمة هذه الدول في الحصار الذي أنهكهم لأكثر من عقد. هذا الكلام الصريح الذي نسمعه من العراقيين، ممنوعٌ طرحه في الإعلام العربي المفلس، والمتورط والشريك حاليا في اللعبة الطائفية الدوَّارة هنا وهناك.

العراقيون ليسوا أقل شأنا ولا ذكاء ولا وعيا سياسيا من الكويتيين، فالكويت المعروفة بمواقفها القومية، رسميا وشعبيا، انقلب الرأي العام فيها إلى حالة من الكره للمسلمات العروبية، بعد غزو 1990. كل النظريات «القومية» تبخرت عندما وجدوا دولا مثل اليمن والأردن وحتى منظمة التحرير، تقف مع النظام الذي احتل بلدهم. فلماذا نتفهم تعاونهم مع «الشيطان» للخلاص من كابوس النظام، ونتهم العراقيين في وطنيتهم ونخرجهم من عروبتهم، ونلصق بهم تهمة خرافية كالصفويين... لفرحهم بسقوط أكبر أنظمة المقابر الجماعية في التاريخ؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً