لا تضع موسكو بيض اقتصادها في سلة قطاع اقتصادي واحد معين، فإلى جانب الخدمات المالية التي أشرنا إليها، يمكننا الإشارة إلى صناعة النفط والطاقة التي تتربع على قائمة طويلة من الصناعات الأخرى التي تتكامل، أو على الأقل تستفيد من تلك الخدمات. ويتصدر قطاع الطاقة والوقود وصناعة التعدين قائمة المتلقين الأكثر استفادة من تدفق الاستثمارات الأجنبية. وعلى قدم المساواة تحظى الصناعة التحويلية وتجارة الجملة والمفرق، والنقل والاتصالات وتجارة العقارات بحصة متزايدة من تدفق تلك الاستثمارات التي تنجذب بقوة نحوها.
صناعة أخرى تحتل موقعها المتميز في الاقتصاد الروسي، وتلك هي صناعة الطاقة الذرية، والتي وفقا لتقديرات الوكالة الدولة للطاقة الذرية تأتي روسيا في المرتبة الثالثة بين دول العالم بعد اليابان وألمانيا من حيث معايير الأمان في المحطات النووية. وتبلغ حصة روسيا في عقود تشييد المحطات النووية لتوليد الكهرباء في العالم 4.5 مليارات دولار من أصل 25 مليارا، هي القيمة الإجمالية العالمية. هذا يجعل حصة روسيا الحالية في المحطات النووية في إنتاج الكهرباء 18 في المئة من الإنتاج العالمي. لكن يتوقع لهذه النسبة أن ترتفع كي تصل إلى 40 في المئة قبل العام 2050. وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن العالم سينفق أكثر من 200 مليار دولار على تطوير صناعة الطاقة النووية قبل العام 2030.
هذه الحالة الصحية التي تؤهل روسيا لتبوء مكانة متقدمة في خارطة الاقتصاد العالمي، تهددها سطوة ونفوذ المافيا الروسية التي تولدت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وتصف مجلة «الأحداث المغربية « (http://www.ahdath.info/article.php3?id_article=30080)، صعود تلك المافيا من رحم المؤسسات السوفياتية المنهارة بالقول: «تفيد تقارير الوزارة الروسية في الشئون الداخلية الصادرة مؤخرا أن المافيا تضم مئة ألف عضو يتوزعون على 5600 مجموعة إجرامية. هذه المجموعات تنتظم بشكل جيد وتتوزع على خلايا مستقلة تتكون من ثلاثة أو أربعة أفراد حتى لا تتمكن الشرطة من ضبط التنظيم كله. وهي تراقب ما بين 70 و80 في المئة من القطاع الخاص، أي نحو 48 ألف مقاولة و1500 مؤسسة عمومية و800 مؤسسة بنكية. كما تراقب نحو 40 في المئة من الثروة الوطنية». وتستشهد المجلة بدراسة أنجزت في العام 1995 وشملت المقاولين الروس، وتذهب إلى القول إنه «مقاولة من بين أربع تتعرض للابتزاز من طرف المافيا». ولم يسلم القطاع المالي من نشاط تلك المافيا التي، وفقا للمجلة ذاتها، انبرت «لمواجهة اختلال توازن النظام البنكي خلال المرحلة الممتدة بين 1992 و1994، وسعت إلى الاستيلاء على قطاعات أساسية في مجال الاقتصاد والمال».
ووصل ذلك نفوذ تلك المافيا إلى قمة الهرم السياسي، ما جعل مجلة مثل «دير شبيغل» الألمانية (http://procover.com.sa/index.cfm?method=home.con&contentID=4045) لا تتردد في اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتعاون معها، مشيرة إلى أنه كان «حتى شهر مارس/ آذار 2000 عضو في مجلس شركة ألمانية قامت بعمليات كبيرة لتبييض أموال لحساب مجموعة مافيا روسية مقرها في (سان بطرسبورغ) شمال غرب روسيا، التي تطرقت الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية إلى الأنشطة المشبوهة لهذه الشركة التي كان مقرها في جنوب مقاطعة هيس (جنوب غرب ألمانيا)».
وتنقل الصحيفة عن مصادر الشرطة الجنائية الألمانية أن «المسئولين في هذه الشركة قاموا بتبييض ملايين اليورو لحساب الشركة الروسية، وأن مصادر تلك الأموال كانت أنشطة غير مشروعة مثل الاتجار بالسيارات والبشر وتهريب سجائر واختلاس أموال». وتستفيد المافيا الروسية من شبكة الجواسيس التي كان جهاز المخابرات الروسي قد أنشأها داخل الولايات المتحدة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.
وكما يرى المراقبون فإن موسكو، ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي لاتزال اليوم تقف متهيأة، على مفترق طرق، وأمام خيرات صعبة بين الخضوع لابتزاز ونفوذ تلك المافيات الروسية أو شن الحروب عليها ووضع حد لها، أو الوصول إلى صيغة تفاهم معها، تحد من تدخلها العميق في قلب المشروعات الحيوية في البلاد.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ