ودّع المؤتمرون الذين جاءوا من عدد كبير من الدول العربية والإسلامية وسواها مكة المكرمة بعد أن قضوا ثلاثة أيام في مؤتمرهم وتحدثوا فيه عن أشياء كثيرة تتعلق بكل أنواع الحوار سواء ما كان فيها بين الفرق والمذاهب أو بين الأديان أو الحديث عن هموم العالم العربي والإسلامي.
انفض سامرهم بعد هذا كله وبرز السؤال الأهم: وماذا بعد؟ هل سينتهي هذا المؤتمر كما انتهى مثله العدد الكبير من المؤتمرات العربية والإسلامية من دون تحقيق أي أهداف حقيقية يستفيد منها العالم العربي والإسلامي؟ هل سيكون لهذا المؤتمر خصوصية تختلف عن سواه؟
مؤتمرات الرابطة السابقة لا توحي بكثير من الأمل فهي تبدأ وتنتهي ولا شيء بعد ذلك، ولكن الأمل أن يكون لهذا المؤتمر خصوصية أخرى تختلف عما سبقه، فهو - أي المؤتمر - حظي بتأييد الملك عبدالله وحضوره، كما حظي بدعم عام من مختلف علماء المسلمين وشعوبهم نظرا لأهمية الحوار عند جميع فئات المجتمع، وفوق هذا كله فالحوار بصورة كاملة لا يختلف على أهميته أحد، لا من الساسة ولا من سواهم، فهل هذا كله يجعل هذا المؤتمر له خصوصية جعل نتائجه ترى النور؟
من توصيات المؤتمر إنشاء هيئة عالمية للحوار تكون معنية بوضع استراتيجية موحدة للحوار ومتابعة شئونه وتنشيه.
جميلة هذه التوصية وأجمل منها أن نرى هذه الهيئة قريبا، والأجمل من ذلك كله أن يكون فيها الأكفاء المخلصون وأن تدعم هذه الهيئة بكل الإمكانات اللازمة كي تستطيع الحركة بسهولة.
الكل يعرف أن هيئات الحوار أو جمعياته موجودة في معظم دول العالم، والعالم العربي والإسلامي لا يختلف عن سواه فهو مليء بجمعيات الحوار، وبلادنا أيضا فيها مركز الملك عبدالعزيز للحوار، وفي بعض جامعاتنا مراكز للحوار، كل ذلك موجودة ولكن ما قيمه هذا كله إذا كنا لا نرى له أثرا واضحا في مجتمعاتنا؟! ولأجل ذلك أخشى أن يكون ما قد تفعله رابطة العالم الإسلامي في هذا المجال لا يختلف كثيرا عما هو موجود عند سواها وبالتالي فإننا سنقول بكل ثقة: إن على الحوار الهادف السلام!
ومن أجمل التوصيات إنشاء «مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للتواصل بين الحضارات» أرجو أن نرى هذا المركز قريبان ولكن - مرة أخرى - نريد هذا المركز أن يكون فريدا في نوعه وفي آلية عمله.
ولكي يكون كذلك أرى أن يكون مستقلا عن أية جهة حكومية وأن يكون له هيئة إدارية مستقلة تتبع مجلس الوزراء مباشرة، لأنه إن ارتبط بجهة حكومية قد تقتله، ومنها الرابطة لأنها مثقلة بهمومها التي لا تستطيع القيام بها فكيف إذا أضيف لها أعباء جديدة؟!
إذا خرجنا من المؤتمر كله بهذا المركز فإننا - كعالم مسلم - نكون قد حققنا إنجازا نفخر به كثيرا كما نتوقع منه الكثير.
أعود إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها في المؤتمر والتي أكد فيها أن ديننا مليء بالتسامح والمحبة، وأن هناك قيما مشتركة بين الإسلام وبين الأديان الأخرى.
هذه القيم المشتركة هي التي يجب أن نسعى من خلال التواصل مع الآخرين على تنميتها، وهذه القيم الأخرى هي التي تبرز سماحة الإسلام وأنه بعيد كل البعد عن الإرهاب والتطرف.
إبراز هذه القيم هي أفضل طريقة لدعوة الآخرين لدين الله الحق، خصوصا إذا التزم المسلمون بما يدعون إليه وكانوا قدوة عملية لسواهم.
ولعل هذه النقطة - تحديدا - تقودنا إلى كلمة السيد هاشمي رفسنجاني في المؤتمر التي قال فيها: «إننا إذا أردنا الحوار مع أتباع الأديان الأخرى فعلنيا أن نبدأ الحوار بيننا وبين أنفسنا، وأن نحدد مسيرة إسلامية محددة نتفق عليها ونتفاهم عليها ونسير في هذا الطريق بتوحيد رؤانا ولنعبّر عن الرؤية الإسلامية في حوارنا مع الآخرين».
بطبيعة الحال الهدف الأول أن يتفق المسلمون أولا - بطريقة من الطرق - مهما اختلفت آراؤهم، لأنهم بغير هذا الاتفاق لن يستطيعوا تقديم أنفسهم للآخرين إلا بأسوأ الصور.
رفسنجاني تحدث عن فلسطين، كما تحدث عنها عبدالله التركي في حواره مع «الحياة» الخميس 5 يونيو/ حزيران 2008م باعتبارها - كما يقولون - قضية المسلمين الأولى، ولكن هل الحديث يكفي وحده؟ الرابطة كان بإمكانها أن تفعل الكثير، والعالم الإسلامي كان بإمكانه - أيضا - أن يفعل الكثير ولكن - للأسف - لم نر شيئا له قيمة في هذا المجال.
هل سيتغير شيء بعد هذا المؤتمر؟ هل يتحرك الملمون لفك الحصار عن غزة؟ هل يفرضون حوارا جادا على الفئات المختلفة؟ هل سيقل الاختلاف بين المسلمين عموما حتى يوحدوا كلمتهم؟!
آمال كثيرة نرجو أن تتحقق، كما نرجو أن يكون مؤتمر مكة مختلفا عما سواه وأن نرى نتائجه قريبا.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ