العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ

كيف يفكّر العراقيون؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لاشك في أن العراق اليوم على مفترق طرق، واختياره سيحدّد مصير المنطقة كلها. وكما لعب العراق دورا أساسيا في اضطراب المنطقة في الثلاثين عاما الأخيرة، فإن استقراره سيكون بوابة لاستقرار الخليج، فـ «خير العراق يعمّ، وشره يعم» كما قال أحد العارفين بالسياسة العراقية.

الكثير من العرب يتحدّثون عن العراق وكأنهم يتحدثون عن المريخ، بسبب وقوعهم ضحايا الشعارات الديماغوجية التي يروّجها الإعلام العربي، يردّدونها كالببغاوات، لكن من يزور العراق ويتواصل مع أهله، يعرف كم هي بعيدة هذه التصوّرات عن الواقع.

العراقيون يجدون أنفسهم في مواجهةٍ مع هذا الإعلام الغوغائي، كما كان حال الكويتيين في محنة الغزو، فالشعب الذي اخترع الأبجدية ودوّن القوانين على جدران مدنه قبل خمسة آلاف سنة، أصبح يتلقى «التوجيهات» من دولٍ لا يزيد عمرها على قرن أو نصف قرن! بل إن بعض رعايا هذه الدول نصبوا أنفسهم أوصياء على العراقيين، يلقون عليهم الدروس في مقاومة المحتل!

ربما يحتاج العراق إلى خمس أو عشر سنوات أو أكثر حتى يهدأ المِرْجَل، والعراقيون خرجوا من طامورةٍ مظلمة، وهم غير مستعدين إطلاقا للعودة إلى حكم المقابر الجماعية مهما كلف الثمن، من أجل سواد عيون شعارات قومية بائتة. ولهم الكثير من العتب على العرب، الذين بدل أن يسمعوهم، انساقوا في المخططات الأجنبية، لاستبدال العدو الذي يحتل فلسطين منذ ستين عاما، بعدو آخر، لا يملكون الجرأة بتسميته فيستعيرون قناعا زائفا من التاريخ.

تكلمت أمس عن الجغرافيا التي يدفع العراق ضريبتها في وجه الغزاة، واليوم أتكلّم عن ضريبة التاريخ. فمنذ أنشئت بغداد عاصمة للخلافة أيام المنصور، (وهي بالمناسبة فترة تشكّل أكثر المذاهب) ظلّ الحكم بيد السنّة في أكثر فترات التاريخ، مع فترات متقطعة حكم فيها الأكثرية (الشيعة). هذه المعادلة جرى تكريسها خلال الأربعة قرون الأخرى، مع سيطرة العثمانيين على العراق. واستمرت هذه المعادلة تحكم حتى أيام الاحتلال البريطاني، وبعده في العهد الملكي، فالجمهوري والبعثي. وهذه ليست مزاعم أو افتراءات، وإنما هي خلاصة ما انتهى إليه كاتبٌ عراقيٌ بعثي الهوى مثل حسن العلوي، وكاتب كويتي إسلامي (إخواني) مثل عبدالله فهد النفيسي، فيما كتباه عن «الدولة العراقية» و «دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث».

هذه المعادلة تغيّرت في العراق، وهناك أكثريةٌ مستعدةٌ للموت في سبيل عدم عودة عقارب الساعة للوراء، ليس على مستوى الطبقة والأحزاب السياسية بل حتى على مستوى القواعد و «العوام». وهي حقيقةٌ لا يدركها العرب خارج العراق، بل إن إعلامنا الغوغائي المأزوم تعامل مع سقوط صدام حسين كأنه نهاية التاريخ، فراح يمعن في اللعبة الطائفية إلى آخر المدى.

العراقيون ربما هم أكثر خلق الله بغضا للأجانب المحتلين، ولا يريدون «رعاة إبل» كما يقولون يعلمونهم دروسا في مقاومة المحتل، فـ «نحن من زلزلنا الإنجليز في ثورة العشرين، بينما كنتم تعيشون في الخيام حتى ملّ المستعمر المقام ورحل على غير رغبة منكم». ويزيدون: «أنتم من أحكم الحصار علينا منذ 1991 كما تحاصرون الآن غزة، ومن مطاراتكم انطلقت الفانتوم لتهدم بيوتنا ومدننا، ومن القواعد الأجنبية الدائمة في بلدانكم كانت تنزل علينا الصواريخ، أفلا تستحون فتسكتون؟».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً