العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ

باكستان من خلال عدسة العراق

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

«لا يوجد حل عسكري في العراق، هناك فقط حل سياسي». يشكّل قول الجنرال ديفيد بتريوس المأثور هذا الأمر الوحيد تقريبا الذي يتفق حوله أنصار الحرب ومعارضوها. السؤال هو لماذا يتشارك هذا العدد القليل جدا فقط من صانعي السياسة الأميركيين بوجهة النظر هذه بشأن باكستان؟

في الوقت الذي تتفاوض فيه حكومة باكستان المنتخبة حديثا على وقف لإطلاق النار مع المتشددين، تعرب واشنطن عن قلقها، ولسبب معقول، من أن تعطي الصفقة لطالبان باكستان وحلفائها الحرية لشن هجمات في أفغانستان المجاورة أو التخطيط لهجمات مقبلة على غرار الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي يتسلم الجنرال بتريوس القيادة المركزية المسئولة عسكريا عن 27 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، تصبح خيارات أميركا في باكستان أكثر وضوحا عند دراستها من خلال عدسة الخبرة العسكرية الأميركية في العراق.

مثلها مثل العراق، تمر باكستان بتغييرات سياسية مضطربة. ففي انتخابات كل من الدولتين، توجّب على الباكستانيين والعراقيين تحدي تهديدات الهجمات الانتحارية. ولكن بعكس العراقيين، لا يذهب الباكستانيون إلى صناديق الاقتراع لدفع المصالح الطائفية، وإنما للتعبير عن مطالب جماعية للحكم الديمقراطي.

اكتسح الباكستانيون عبر القطاعات والطبقات والعقائد حزب الرئيس برويز مشرف إلى خارج السلطة ومعه الأحزاب الدينية في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية.

رفض الناخبون المسلمون في باكستان وبضربة واحدة كلا من التطرف والأساليب العسكرية المستخدمة لمحاربتها. وحتى عندما سقط الباكستانيون أنفسهم، مثل بناظير بوتو، ضحية للإرهاب، كانت المعارضة للحملة العسكرية شاملة.

كان المنظور الواسع الانتشار أن حرب الرئيس جورج دبليو بوش على الإرهاب في باكستان غير فاعلة وتسببت بعدد كبير من الضحايا المدنيين، وساعدت على إثراء المؤسسة العسكرية وتمكينها.

في نهاية المطاف استنتج الكثير من الباكستانيين أن الحرب هي حرب أميركا وليست حربهم.

لا يقدّر أحد أكثر من بتريوس أهمية الحكومة المستقرة القادرة على الفوز بالدعم الشعبي في مقاومة الإرهاب والتمرد. ولكن بعكس الوضع في العراق، فإن التحدي الذي يواجه الحكومة الجديدة في إسلام آباد لا يتعلق فقط بالفوز بثقة الشعب في الأقاليم التي يعمل فيها الإرهابيون وإنما بإقناع دولة بأكملها بأن مبادرات مقاومة التمرد ضرورية.

يمكن لهذه المهمة أن تصبح الآن صعبة مع تهتك حكومة التحالف برئاسة يوسف رازا جيلاني التي تعمل على إعادة تعيين قضاة المحكمة العليا.

لقد بدأت السباقات السياسية والقضايا الدستورية العالقة، بما فيها قضية مستقبل مشرّف، وأزمة اقتصادية تلوح في الأفق، تتنافس مع التهديد المتطرف للفوز بالاهتمام الملح.

قد تفقد الولايات المتحدة قريبا الصبر بحكومة ديمقراطية أقل لينا وتكيفا من سابقتها، فتبحث مرة أخرى عن ذراع عسكرية قوية لإشباع اهتمامها وقلقها من «القاعدة» والتمرد في أفغانستان. ستكون هذه مشكلة كبرى. كما حصل في العراق، يتوجب على الولايات المتحدة أن تحول تفكيرها نحو تبنّي الحكومة الديمقراطية على أنها أساس أي استراتيجية لإحباط التطرف والإرهاب.

الدرس الواضح من العراق هو الفصل بين الحافز المحرك والقدرات. بدأ المدّ في العراق بالانقلاب ليس بسبب تعزيز القوات وإنما بسبب «صحوة» رجال القبائل السنية المستعدين للتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة «القاعدة». التحدي في باكستان معقد بصورة أكبر بكثير.

تقود حكومة علمانية من البشتون جهود العمل لإقناع الزعماء القبليين تبني موقف مناصر للحكومة مقابل تنمية وإصلاحات سياسية. بعكس الوضع في مقاطعة الأنبار في العراق، لا يتصرف الزعماء القبليين في المناطق الحدودية الباكستانية حسب إرادتهم الخاصة في محاربة العدو، وإنما ببساطة يُطلَب منهم التراجع بعد توجيه ضربة لجيش البلاد.

وإذا أخذنا في الاعتبار التعاطف القبلي نحو الطالبان والخوف من أساليبهم الوحشية، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت التنمية والإصلاحات السياسية ستشكل حافزا كافيا.

ومثل نظيره العراقي فإن الجيش الباكستاني محدود جدا في قدرته على شن هجوم مضاد ضد المتمردين. ولكن هناك فرق أساسي: في باكستان، الأمر أقل وضوحا بكثير من الذي يعتبره الجيش على أنه «العدو».

وعلى رغم تعاون مديرية الخدمات الاستخبارية الداخلية، وهي جهاز المخابرات الرئيسي، أحيانا مع المخابرات الأميركية إلا أنها تحافظ على ارتباطات مع الطالبان الأفغان وغيرهم من الجماعات المسلّحة التي تعارض كابول. تجد هذه الجماعات ملاذا في المناطق الحدودية الأفغانية حيث يُنظَر إليها كأصول استراتيجية على رغم تواطؤها مع «القاعدة» والمسلّحين الباكستانيين القبليين.

تنظر إسلام آباد إلى هذه الجماعات المسلّحة، شعورا منها بالوهن الدولي والمحاولات المتداعية في أفغانستان، إضافة إلى المنظمات المتطرفة المزعجة الباكستانية، على أنها «قوة احتياطية» توفر لباكستان مجال تأثير على جيرانها.

باختصار لا يريد الجيش الباكستاني سوى قدر قليل يزيد عن فك الارتباط العسكري مع الميليشيات القبلية. مع وجود جزء من جهاز الأمن الباكستاني في حال تشابك كبير مع الطالبان وغيرهم من المسلّحين المتشددين المرتبطين بشبكة أوسع من الإرهابيين، يتوجب الترحيب بمزيد من الحكم المدني الذي يأتي بالشفافية والسيطرة على الخدمات الاستخبارية بدلا من الخوف منه.

يعتبر التعايش مع التغيرات المضطربة في باكستان من بين أعظم تحديات السياسات الخارجية اليوم. يشكل التعيين الجديد للجنرال بتريوس مناسبة للنظر إلى باكستان من خلال عدسة العراق.

بدلا من التراجع بخوف ووجل، الطريق إلى الأمام هو من خلال تبنّي تطور باكستان الديمقراطي واستخدامه لدفع الأهداف الأمنية الأميركية الملّحة.

* زميل زائر بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

/ عالم مقيم في معهد الشرق الأوسط ومحلل سابق في وزارة الخارجية الأميركية لوضع باكستان

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً