يحق لنا كمواطنين أن نفرح بإنجازات الوطن، وأن نحزن لأي إخفاق. فالإنجاز يحققه المجدون في حين يجلب المتقاعسون الإخفاق.
فوز البحرين بمقعد حقوق الإنسان يفرحنا لكونه يمهد الطريق لتعزيز حقوق الإنسان في وطننا وننال بموجبه احترام العالم كبلد مسئول.
يفرحنا كذلك إنجازات الوطن على صعيد الحكومة الإلكترونية الهادفة إلى تطوير آليات العمل في الوزارات والجهات الحكومية والذي حظي باعتراف دولي بفضل الريادة في قطاع تكنولوجيا المعلومات. فما هي الأسس والمتطلبات اللازمة لنجاح استراتيجية مملكة البحرين للحكومة الإلكترونية على المستوى العملي؟
من المتفق عليه أن تكنولوجيا المعلومات وإدارتها ليست مجرد معدات وبرامج آلية، بل هي قبل ذلك كله بنية تحتية متكاملة يجب توافرها كونها متطلبات Prerequisites يسبق وجودها أية جهود أخرى لاقتناء البرامج والمعدات. ومن مكونات هذه البنية التحتية ما يأتي:
1 - تنظيم وهيكلة الجهات الحكومية:
تحسين إجراءات وطرق العمل مرتبط بطبيعة تنظيم وهيكلة الجهة الحكومية فإذا كان التنظيم غير متناسق ومنتفخ في قمة الهرم Top Heavy فإنه يصبح كالهرم المقلوب الذي يفوق عدد المستويات الإدارية والإشرافية فيه عدد مستويات التنفيذ, حينها ينطبق عليه المثل القائل: Many Chiefs But No Indians إن نظرة فاحصة على طبيعة الهيكلة في الوزارات الحكومية ومن ضمنها ديوان الخدمة المدنية المسئول عن تنظيم الوزارات تتضح لنا كثير من التشوهات الهيكلية.
فقبل عامين مثلا كان عدد الوظائف التنفيذية في الحكومة يزيد على (818) وظيفة أي بنسبة 2.2 في المئة من مجموع الوظائف. وهذه النسبة تتضاعف بإضافة الوظائف الإشرافية والإدارية الأخرى. ومقارنة مع دول مثل سنغافورة التي كثيرا ما نقارن بلادنا بها كنموذج مرغوب Bench mark فإن النسبة هناك تقل عن 1 في المئة.
إن كثرة وتعدد المستويات الإشرافية في التنظيم يسير في اتجاه معاكس لجهود تحسين إجراءات العمل والذي يعتبر أحد الأهداف الرئيسية للحكومة الإلكترونية. فكثرة التواقيع والموافقات التي يتطلبها مثل هذا التنظيم الذي ينشئ الوظائف التنفيذية لأغراض الترقية وكسب رضا الأتباع خلافا لحاجة العمل، يعني بروز مستويات بيروقراطية تعرقل إجراءات العمل، بدلا من سرعة إنجاز المعاملات. ومثله يقال عن التضخم الوظيفي حيث النسبة لدينا هي موظف واحد لكل 12 مواطنا في حين تبلغ موظف واحد لكل 221 مواطنا في سنغافورة.
ومن المفارقات هنا أن الزيادة في حجم القوى العاملة لدينا تصاحبها جهود لإدخال التكنولوجيا الحديثة في الإدارة والذي من المفروض أن تقلل من البيروقراطية والعمل اليدوي.
إن نجاح الحكومة الإلكترونية يتطلب هرما تنظيميا متناسقا لا هرما مقلوبا يصاحبه تضخم وظيفي. فمؤسسات بهذه المواصفات ليس باستطاعتها تحقيق الكفاءة الإدارية المتوقعة من أية حكومة إلكترونية مهما توافرت لها الإمكانات من معدات وبرامج آلية.
2 - إجراءات وطرق العمل:
إن اقتناء برامج آلية حديثة يتطلب الاستعداد للتخلي عن إجراءات العمل المغايرة ومن أهمها تفويض الصلاحيات، التي تحددها معايير العمل المتعارف عليها دوليا وتتضمنها برامج العمل الآلية الحديثة. فالمركزية في اتخاذ القرار واستمارات العمل البالية لا تتمشى وتوجهات الحكومة الإلكترونية.
من هنا فاقتناء البرامج الإلكترونية يستلزم أولا إعادة هيكلة مؤسساتنا وتغيير نمط التفكير في الإدارة الحكومية، وكذلك سلوكيات عمل الموظفين.
فتدشين خدمة إلكترونيه لشكاوى الصرف الصحي كما أعلنت عنها وزارة الأشغال مثلا، يتطلب استعدادا سلوكيا وآلية عمل واضحة للتعامل مع شكاوى المواطنين، وإلا أصبحت الشكاوى من دون جدوى.
3 - التشريعات الحديثة المتناسقة:
إجراءات العمل وخطوات إنهاء المعاملات تخضع لنصوص القوانين ذات العلاقة. فإذا كان المشرع يضع القانون بمعزل عن الجانب الفني لإجراءات العمل بسبب جهل بها، فإن الإداري المنفذ مهما كانت كفاءته واحترافه المهني يصبح مقيدا بتشريع مغاير ومستورد من بيئة أخرى تغفل احتياجات البيئة المحلية، ولا تعطي وزنا لتحسين إجراءات العمل ومفهوم خدمة الزبون.
فإذا ما شدد المشرع على الجانب الرقابي والبوليسي وتربص بالزبون على قاعدة عدم براءته، فمن الطبيعي أن يشرع قانونا يفرض عراقيل بيروقراطية تعقد من عملية منح التراخيص أو إنهاء المعاملات.
ومن ضمن التشريعات التي واجهها كاتب هذا المقال في مجلس الشورى مثلا هي إصرار المشرع في الدائرة الحكومية المعنية على اعتبار عدم الرد من الجهة الحكومية على طلب الزبون رفضا للطلب من غير ذكر للأسباب. وعلى المواطن في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء. وهذا النوع من التشريع المستورد من دولة معروفة بنظامها المركزي يخنق جهود التنمية الاقتصادية والمبادرات الفردية، ويسير باتجاه معاكس لأهداف الحكومة الإلكترونية.
لهذا السبب يصبح من متطلبات الحكومة الإلكترونية تناسق التشريع مع الأهداف المرغوبة. وهذا يتطلب توعية القائمين على مهمة التشريع بأهمية تسهيل إجراءات العمل والقبول بمفهوم خدمة الزبون.
عمل جماعي
إن مشروع الحكومة الإلكترونية هو عمل جماعي لا يخططه وينفذه اختصاصيو نظم المعلومات لوحدهم بمعزل عن شراكة مباشرة للاختصاصيين في مختلف القطاعات الأخرى ذات العلاقة والتي هي أعلم مهنيا بطبيعة مهماتها الوظيفية.
فإنشاء شبكة آلية لربط المراكز الصحية مثلا يساعد على تجنب الازدواجية في صرف الأدوية التي تمكن أي شخص من أخذ أدوية من أكثر من مركز صحي في آن واحد، ما يسبب استنزافا في الموازنة المخصصة لشراء الدواء بوزارة الصحة. وهذا ما أثبته بالتجربة كاتب هذا المقال حيث تمكن من المرور على مراكز صحية في عدة محافظات وتسلم أدوية منها في آن واحد من دون اكتشاف الأمر بسبب غياب الربط الآلي بين المراكز الصحية. وقد تم تقديم سؤال بهذا الخصوص إلى الوزيرة المسئولة آنذاك التي وعدت بإصلاح الوضع.
ختاما، فإن حق الوصول للمعلومة هدف حيوي لأية حكومة إلكترونية، وما لم يتوافر هذا الحق ويكون مصحوبا بإصلاح إداري تصبح الحكومة الإلكترونية مجرد معلومات مخزنة في آلات إلكترونية حديثة، إلا أنها منعزلة ولا تساهم في عملية صنع القرار أو تحاكي بعضها بعضا. وفي هذه الحالة فإنها تصبح عالة تكلف نظم أمن حمايتها أضعاف كلف إنشائها.
إن الأمل وطيد بنجاح مشروع حكومتنا الإلكترونية والتي ستكون أولى مؤشرات نجاحها اختفاء الطوابير في المؤسسات الحكومية، وخصوصا تلك المتعلقة بطلبات إصدار البطاقة السكانية الذكية من قبل الأب الروحي لجهاز حكومتنا الإلكترونية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2103 - الأحد 08 يونيو 2008م الموافق 03 جمادى الآخرة 1429هـ