صار الإخوة في الدوحة والعرب من ورائهم إلى انتصار ما كان ليؤتي أكله لولا أن تلاقت الإرادة اللبنانية في الجنوب والشمال والمتن والسهل والجبل. إنه انتصار للدوحة بقيادة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
لقد انتصر الفرقاء في لبنان على ذواتهم، بأي وسيلة كانت، هذه الذات كانت حسابات وتوازنات شخصية حزبية... إلخ من منافع دنيوية شتى. وعلى الرغم من الدور المحوري لسمو أمير قطر ولرئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إلا أن الشعب اللبناني وقيادات المجتمع المدني في لبنان قالت كلمتها النهائية في الأزمة حينما علقت لافتات كُتب عليها: "اتفقوا أو لا تعودوا".
ها هنا في البحرين، نحن نعاني أزمة تتشابه إلى حد بعيد مع ما جرى في لبنان. قد لا نكون وصلنا إلى تلك الحافة من الهاوية لأسباب كثيرة؛ إلا أن البعض لو تحصلت له أسباب الوصول إلى تلك الحافة لن يتردد في أن يلج غمار هذا الخيار، خيار الدم والبارود والفتنة التي يسعى إليها هذا البعض ليل نهار.
لا ملجأ من خيار السقوط في الفتنة وحمام الدم إلا بالرجوع إلى الثوابت الوطنية التي لا بد أن تحكم المجتمعات العربية. قد يكون هذا الكلام يحمل تفاؤلا كبيرا بالنسبة إلى البعض، وقد يصفه البعض برومانسية حالمة، كما وصفني بها الأخ العزيز حافظ الشيخ صالح يوما ما. إلا أن وصفي بالرومانسية الحالمة، بالنسبة لي على الأقل، أفضل بمئات المرات من التفرج على البعض وهم يقدمون وطني البحرين إلى المسلخ الطائفي، أو يغرسون بذور الفتنة وإشعال الحرائق في جميع خطوط التماس بين الطائفتين.
إن أمانة القلم هي في السمو بالإحساس والمشاعر والمنطق والعقل والقلب وجميع الجوارح عن السقوط في فتنة الاصطفافات الطائفية أو التحريض الطائفي في المجتمع. وذلك يتطلب مجاهدة حقيقية وشاقة، حيث كبح جماح نفس تواقة إلى الميل الطبيعي لبني جنسها ودينها ومذهبها وعرقها وقبيلتها، كما إن النأي بالقلم عن التحريض الذي بتنا نصبح ونمسي عليه، سواء في الصحافة أو مواقع التجمعات أو ممارسة العمل في الشأن العام، إذ سقط في الفتنة الطائفية كبار الساسة والكتاب، والذين يدعون السمو الوطني. وقد تمثل هذا السقوط في الحراك الطائفي الذي استجمع قواه في شكل جمعيات وتنظيمات سياسية تدعي أنها فوق الشبهات الطائفية. وعلى الرغم من أن هؤلاء يتحدثون عن طائفية الجهات الرسمية فإنهم يمارسون جميع صنوف التمييز الطائفي ضد الآخرين!
وعودا على بدء، فإن الحديث عن انتصار العرب في لبنان جاء بنتيجتين مهمتين: الأولى إن لبنان لكل اللبنانيين، والثانية إن إرادة العرب قادرة على تحريك الأشياء باتجاه خير العرب. وهذا وذاك يعتبران لطمة على وجه حملة الفكر التغريبي وأصحاب النزعات المعادية للعروبة. نجح العرب في لبنان، في حين كان للأميركان رأي آخر، وللفرنساويين موقف مختلف، وللإيرانيين سلوك آخر... كل تلك القوى استسلمت لإرادة الوفاق اللبناني الذي جاء برعاية عربية وقطرية تحديدا. وهذا ما يجدد الأمل في دنيا العرب
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ