من جديد تطفو على السطح ما أصبح يعرف بـ «أزمة الأسمنت». وأصبحنا ضحايا خشية «توفر الأسمنت في البحرين ليوم واحد فقط». والسبب في هذه «الخشية» كون مادة الأسمنت، ومن ورائها صناعتها، وجها من الصناعات الاستراتيجية، لأنها ترتبط مباشرة بأعمال الإنشاء والتعمير. كما إنها صناعة الحضارة، وأساس التطور لأي دولة تتطلع إلى النمو والتقدم.
في البدء لابد من الإشارة إلى أن مملكة البحرين ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تعصف بها الأزمة «الأسمنتية»، وخصوصا على مستوى الإنتاج، فقبل عام واحد حذرت صحيفة «الرياض» السعودية من إحتمال اندلاع حرب أسمنتية خفية تتعلق بإثارة منح «التراخيص لـ 27مصنعا جديدا لإنتاج الأسمنت باستثمارات تتجاوز 21.6 مليار ريال حفيظة البعض الذين احتجوا على ذلك بأن السوق قد لايستوعب المصانع الجديدة وأن حرب أسعار تلوح في الأفق». وحذر كاتب المقال إبراهيم الجردان من «أن الحاجة الفعلية للمملكة من الأسمنت حاليا تتجاوز الـ 45 مليون طن سنويا وهو الشيء الذي لن تفي به المصانع الموجودة حاليا حتى وإن قامت بمضاعفة خطوط انتاجها».
يذكر أن إنتاج الأسمنت في المملكة السعودية ارتفع خلال العام 2007 إلى 30,29 مليون طن مقابل 27,05 مليون طن في العام 2006، ولهذا السبب حقق الأسمنت السعودي أعلى معدلات الإنتاج بتسجيله 5,27 ملايين طن خلال العام 2007 مقارنة بـ 5,0 ملايين طن في العام 2006.
وفي سلطنة عمان أعلنت غرفةُ التجارة العمانية يوم الأربعاء (الموافق 28 مايو/أيار الماضي) عزمها السماح لشركتي أسمنت عمان وريسوت للأسمنت اعتبارا من اليوم (الأحد) باستيراد الأسمنت وزيادة الأسعار وسط نقصٍ في المعروض وطفرةٍ في أعمال البناء. وقال رئيسُ مجلس إدارة غرفة عمان للتجارة والصناعة خليل الخونجي لرويترز: «إن الغرفة ستسمح أيضا للشركتين بزيادة الأسعار إلى 1,8 ريال (من 1,6 ريال عماني لجوال الأسمنت زنة 50 كيلوغراما لمواجهة مستوى التضخم».
أما في الإمارات العربية المتحدة، والتي تشهد أكبر طفرة عمرانية وإنشائية في المنطقة منذ العام 2000، فقد عرفت سوق الأسمنت فيها حالا من التذبذب والغليان خلال العام 2004 نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل كبير بسبب الطفرة العمرانية الكبيرة في جميع انحاء الدولة. ولم تستقر السوق الا في الربع الأخير من العام 2005 في أعقاب قرار اتخذه رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يتعلق بمراقبة ةتقنين الأسعار هناك. وترافق ذلك مع زيادة في طاقة الإنتاج لمصانع الأسمنت في الدولة من 10 ملايين طن سنويا إلى 12 مليون طن على أقل تقدير.
فمن غير المستبعد، أن تعصف «أزمة أسمنتية» بالبلاد، ليس مصدرها قوانين العرض والطلب المنطقية التي غالبا ما تسود أسواق مواد إستراتيجية مثل الأسمنت، بقدر ما يكون مصدرها طفرة غير طبيعية وغير متوقعة في قطاع العمران والتشييد بعيدة عن الحاجة الحقيقية للبلد عموما والمواطن خصوصا، وهو ما تشهده البحرين في هذا المرحلة.
لذلك لانعتقد أن الأزمة طارئة بالمعنى التنموي للكلمة، بقدر ما هي تلاعب في السوق على قوانين العرض والطلب. ولابد لنا هنا من التذكير أن إلقاء التبعة كما يحلو للبعض أن يصفه بـ «الإزدهار في قطاع البناء والتشييد»، لا ينبغي أن تنسينا أن ذلك « الإزدهار» كان البضاعة التي ساهم الكثير من المؤسسات الرسمية في الترويج لها والعزف على أوتارها. حينها لم يأت الحديث عما يمكن أن ينتجه هذا الإنتفاخ غير الطبيعي وغير المخطط له في ذلك القطاع من أزمات غير طبيعية ليس في توفير الأسمنت في الإسواق بل التحكم في معدلات تضخم عالية سريعة الإرتفاع عاني منها المواطن، وأشد منه الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يفترض أن تكون العمود الفقري لأي إقتصاد نام، ووسادة الإستقرار الطبيعية التي يتكئ عليها مثل هذا الإقتصاد.
وعلى سبيل التذكير وليس المقارنة، من الطبيعي أن نؤكد هنا: ليست الصدفة وحدها هي التي دفعت الصين كدولة، تدرك أهمية ودور التخطيط في استقرار أي إقتصاد حر نام، أن تضع في حساباتها إتجاه أسواق العالم، وخصوصا الدول النامية، نحو قطاع التشييد والبناء، وبالتالي تعمل من أجل استقطاب صناعة الأسمنت العالمية نحو أسواقها منذ العام 2003.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ