العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ

من يخذل نصرالله في زمن الردة؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من أراد منكم أن يطلع على أسوأ النماذج التي تتم فيها حياكة المواقف الشرعية وتفصيلها وتلبيسها كسراويل وأحجبة لأسوأ المآرب السياسية والانتهازية فيصبح الدين عبدا مخصيا لجبروت السياسة الأقرب إلى التعاسة، ومن أراد منكم أن يشاهد نموذجا للبيانات والفتاوى «الشرق أوسطية الجديدة» التي من المفترض أن تلاقي تكريما واحتفاء أصيلا من الإدارة الأميركية ورموز الكيان الصهيوني، ومن أراد منكم أن يشاهد نموذجا لتغليب النعرات العنصرية والجاهلية والرؤى والمصالح البالغة الضيق على مصلحة الأمة الإسلامية التي تنطق بالشهادتين، من أراد منكم أن يشاهد نموذجا لتلك الفتن والضلالات السوداء التي تخرج من قرن الشيطان بحسب الحديث النبوي الشريف، ومن أراد منكم أن يشاهد جميع تلك المآسي والخيبات المكشوفة فليتفضل ويطلع على ذاك البيان البائس والمتخلف الذي أصدره للأسف رجال دين وشنوا فيه هجوما غوغائيا وتكفيريا ضد «حزب الله» وضد جميع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة!

ولعل من اطلع على البيان يستنتج أن توقيت هذا البيان الغرضي الذي أصدر في زمن الردة إنما يعكس حجم القلق والخيبة والاندحار السياسي لداعميه، وهو ما قد أشاروا إليه بسبب تنامي نفوذ وشعبية «حزب الله» وإيران في المنطقة وما يحظى به الحزب من تأييد كبير في صفوف أهل السنة والجماعة، وذلك في مقابل تراجع النفوذ الشعبي لـ «محور الاعتدال العربي» المتحالف مع المحور الصهيوأميركي، فاعتبر أصحاب البيان أن ما يقوم به «حزب الله» من عمليات بطولية باسلة ضد قوات الاحتلال الصهيونية إنما هي «غطاء مسرحي» يخفي في طياته مشروعا مناهضا لأهل السنة والجماعة وخلطوا السياقات والأوراق والتجارب لأجل إثارة تلك النعرة العصبية الجاهلية الموبوءة بعدما عجزوا عن الطعن في شخص حسن نصر الله وحزبه، فكتبوا «الذين يصدقونهم في مزاعمهم لم يدركوا حقيقة مذهبهم وما بني عليه من أصول كفرية» و «يثيرون الفتن وأنواعا من الفساد والدمار بالمسلمين وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين كما حصل في بعض مواسم الحج في مكة وفي اليمن من الحوثيين» كما نقلت «القدس العربي» بعضا من نصوص البيان المأزوم الذي لا يقبل به أي منطق سياسي أو شرعي!

ولا أدري إن كان ذلك الحجم الهائل من التضحيات الاستشهادية التي كان على رأسها نجل سماحة السيد حسن نصرالله وتحرير الأسرى العرب في سجون الاحتلال الصهيوني والعزلة والحصار الخانق والمتواطئ على «حزب الله» من قبل عملاء الإمبريالية الأميركية وأنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن، ناهيك من صبر أيوب الذي تحمله «حزب الله» حينما قتلت واستهدفت كوادره بنير الخصوم والأعداء في سبيل المحافظة على الوحدة الوطنية اللبنانية وهو الأمر الذي أكسبه أصدقاءه من أوساط علماء ودعاة أهل السنة والجماعة كالداعية فتحي يكن والشيخ ماهر حمود وغيرهما، بالإضافة إلى نيله الدعم من تنظيمات «إسلامية» سياسية واسعة النفوذ والانتشار في الوطن العربي والإسلامي كتنظيم «الإخوان المسلمون» في مصر والتنظيمات السلفية في المغرب العربي وغيرها من أقطار لم تتلوث بفيح الفتنة الطائفية المنتنة، فهل جميع تلك المواقف المشرفة والبطولية إنما هي سيناريوهات ضمن «مسرحية مبدعة» أعد لها النظام الإيراني ومثلها «حزب الله»؟!

حتى ولو كانت بطولات «حزب الله» هي «مسرحية» كما يزعم بيان الباطل هذا فمرحبا بها فهي على الأقل أنعشت الآمال وانتشلت الأنفس من مجاهل الإحباط واليأس وجددت البيعة للعزة والحرية، ولعمري «مسرحية» كهذه أشرف وأعز من واقعية ووقوعية سوداوية رديئة كالتي تمثلها مواقف «محور الاعتدال العربي» ومواقف بيان الردة هذا، والتي تعكس جهلا فادحا ومتوقعا بتاريخ حركات المقاومة العالمية وكفرا واستهزاء بآيات مثل «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» ( البقرة : 249).

ألم يكن من الأجدى والأكثر صونا لحرمة الذات واحتراما لعزة وكرامة النفس الآدمية لو أن رجال الدين الذين وقعوا هذا البيان قاموا بمهاجمة ما أدى إليه ما سيزعمون بأنه «النفوذ السني» وأهل السنة والجماعة منه براء، والذي تم بقيادة «محور الاعتدال العربي» إلى جعل لبنان وكرا للمواخير الإعلامية وفضائيات الفن التسليعي الهابط وللإباحية السياسية التي اجتذبت جميع عملاء الصهيونية العالمية وراعيتها الأم الإمبريالية الأميركية وكرمت مجرمي الحرب الفارين من وجه العدالة باعتبارهم حلفاء لصون «عروبة» لبنان؟!

وبما أنهم قرروا أن يدسوا أنوفهم في السياسة، أفلم يكن من الملائم لهم أن يدينوا ما تسببت به دبلوماسية «الاعتدال العربي» من أزمات ومصائب ومآس كثيرة دفع ثمنها غاليا أبناء الأمة ومازالوا يدفعون إلى أجل غير مسمى، فهذه الدبلوماسية بمواقفها الممالئة هي التي خاضت معاركها المأجورة لصالح الإمبريالية الأميركية التي لم تقدر تضحيات العرب الغبية والغنية، وهي التي خلقت لنا أزمة «الأفغان العرب» فارتد السحر على الساحر وبالا، وهي التي تواطأت لوجستيا واستراتيجيا على تسليم العراق إلى الكماشتين الإيرانية والأميركية وهي التي تدفع الثمن غاليا، وعلى رغم كل تلك التضحيات المخزية لأجل «المسيح الدجال» الأميركي فإنها لم تحظ بأدنى تعطف وشكر من الرئيس الأميركي في شرم الشيخ، لو فعلتموها يا علماء فسيكون ذلك أفضل لكم من أن يستحق بيانكم الشرق أوسطي هذا قبلة من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أو قبلة من وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيبي ليفني!

وإن لم تفعلوا فقولوا خيرا أو اصمتوا فذلك خيرا لكم!

ولم يكن غريبا أن يتقاطع رجال الدين هؤلاء في استهداف حسن نصرالله مع النائب العراقي السيد إياد جمال الدين الذي هاجم دعوة السيد حسن نصر الله للعراقيين لاتباع استراتيجية التحرير وقال «إن العراق كبلد وشعب وتاريخ كبير إلى درجة أن الآخرين يتعلمون منه... وأنه لا يحتاج إلى دروس من نصرالله» و»إن خطاب نصرالله أظهر أن الرجل لم يعد لديه أي شيء وبلغ مداه، وأن خطابه جاء دعائيا، وأن حزب الله يعاني من مشكلة إثبات وجوده حاضرا ومستقبلا»، كما نشرت ذلك صحيفة «الشرق الأوسط»، ولكن ليذكر لنا جمال الدين ما الذي أفادت به مواقفه «العقلانية» و»التقدمية» واندراجه ضمن العملية السياسية في ظل احتلال بلاده عسى أن نقتنع بها؟!

هل أعاد هو وغيره الكرامة لبلده الذي مازال مزرعة ومحمية لعصابة الإمبراطورية الأميركية التي تسرح فيها وتمرح وتهرج؟!

أم أن عملية السطو المسلحة على مقدرات الشعب العراقي وتراثه وكنوز حضارته مازالت مستمرة؟! ما هو موقفه تجاه الخطة الأميركية التي فضحتها أخيرا صحيفة «الإندبندنت» البريطانية لإدامة احتلال العراق؟!

ماذا نفعت النخبة العراقية المنخرطة في «العملية السياسية» ورجال الدين المهادنون العراق؟! هل خففت من بلواه؟! وإن كان هو يأمل ويرى ذوبان مكانة «حزب الله» وحسن نصرالله فليخبرنا عن حجم ومقدار مكانته الفعلية هو في أوساط العراقيين قبل غيرهم؟!

وربما لو سئلنا أيديولوجيا وسياسيا عن موقفنا من «ولاية الفقيه» فنحن لا ننكر أننا ضدها وضد ما تكرسه من تبعية مصمتة للفقهاء وإن كانت لدي أجدى وأرجح نسبيا مما يبدو كما لو أنه نموذج «ولاية السفيه» الذي يسوغه سياسيا وشرعيا بعض علماء السلاطين، وإن مثل ذلك التأييد للمقاومة لا يمنعنا من انتقاد مواقف النظام الإيراني في العراق وغيره التي لم تحمل أي اعتبار أممي وأخلاقي على العكس من الموقف الإيراني في جنوب لبنان وإن كانت جميع هذه المواقف ضمن ذات الامتداد الاستراتيجي، ولكن ذلك الاختلاف الفكري والسياسي الطبيعي في النهاية لا ينال من مساندة من أراد أن يقاوم ويحارب بنبل ضد الصهاينة وغيرهم من أعداء الأمة الأزليين والوجوديين شاء من شاء وأبى من أبى أيا كانت النية في ذلك، فوالله إن إسرائيلية تدين الصهاينة وتحارب لا أخلاقية مواقفهم أعز وأفضل لدي من رجال دين مسلمين يطالبون بالهوان والذل وينزعون فتواهم ومواقفهم الشرعية ليغطوا بها الوجه القميء والقبيح للنظام العربي المتواطئ حتى أنفه!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً