العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ

بطاقة صفراء للاتحاد الأوروبي!

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

يسجل اللاعب الألماني مايكل بالاك الهدف الثاني لمصلحة منتخب بلاده في مرمى صربيا، بينما الكاميرا تبحث عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتلتقط ردة فعلها التي لا تختلف في حماسها عن أي مشجع ألماني، والجيد أن الماكينات الألمانية استطاعت أن تقبل تخلفها بهدف لفوز متأخر، والسيئ أن أنجيلا ميركل ستعتبر هذه اللقطة إضافة لشعبيتها لدى الناخبين الألمان.

حسنا، هي في النهاية امرأة تحب وطنها وتحب أن يحقق الانتصارات المتتابعة، ولكن الكثير من القضايا المهمة كانت تنتظر ميركل على مكتبها لليوم التالي، وللأسف هي لا تستطيع أن تتعامل معها بالنبرة المتحمسة نفسها!

اليوم تقف ألمانيا كأحد الراعين الكبار للاتحاد الأوروبي، وفي الصف الأول تحديدا بجانب فرنسا، بينما تقبع صربيا في قائمة الدول المغضوب عليها أوروبيا. وبطبيعة الحال يختلف شعور المواطن الألماني تجاه الاتحاد عن شعور نظيره الصربي الذي لم يتمكن حتى الآن من الدخول في جنة الشينغن، ولكن للاتحاد الأوروبي وجهة نظر أخرى؛ فيمكن أن يتسع هذا الاتحاد حتى لدول لا ترتبط جغرافيا مع القارة العجوز مثل «إسرائيل» ليثبت رياضيوه المتقاعدون قدرتهم على استيعاب الفكرة الأوروبية أكثر من سياسيّي بروكسل الذي يضعون المعايير القياسية لأوروبة وفق حزمة من الشروط الاقتصادية التي تخضع أيضا لمجموعة من المعادلات الاستراتيجية التي يمكنها أن تضع تركيا مثلا في طابور الانتظار لسنوات طويلة.

التساؤل الذي يصعد بسرعة مع ارتفاع وتيرة التأفف الشعبي من التجربة الأوروبية الذي ما زال يتواصل منذ موسم الاستفتاءات على الدستور الأوروبي الموحد هو: هل يعتبر مشروع الاتحاد خطوة مرحلية تجاه تحقيق اقتصاد عالمي أم يعد سورا جديدا ضد موجات العولمة؟

من الناحية المبدئية، يمثل الاتحاد الأوروبي عائقا أمام العولمة برغم المكانة التي تمثلها الدول الأوروبية في منظومات العولمة المتعددة مثل منظمة التجارة العالمية ووجود العديد من الشركات الأوروبية العابرة للقوميات. فالخطاب الاجتماعي الأوروبي يتجه لاستبدال القوميات القائمة على أساس ثقافي - اجتماعي - لغوي مثل الفرنسية والألمانية والهولندية بقومية أوروبية تمثل مصالحها، وترتهن من جديد لصندوق انتخابي موسع يعبر عن مجموعة من المشاعر القومية الجديدة الكفيلة بوضعه في حالة صراع - وإن يكن دافئا - دائم مع الآخر عبر المحيط الأطلسي والمتوسط وآسيا الوسطى، وبالتالي تبقى سيطرة الديمقراطية في نسختها الحالية وآليات فرزها التقليدية مهيمنة على الجو النخبوي الذي أفرز فكرة الاتحاد قبل عقود.

من ناحية أخرى، يلقي السؤال الأوروبي بظلاله على دول العالم الثالث، وبصورة أكثر تحديدا الدول التي استطاعت أن تحقق استقرارا اقتصاديا معقولا، وموقفها الحقيقي من العولمة. لنأخذ مثلا الأردن. ففي الأردن يتمكن المهندس الحاصل على مستوى تعليمي معقول وعدد محدود من سنوات الخبرة من الحصول على راتب لا يقل عن 1500 دولار أميركي وهو مبلغ لا يحصل عليه نظيره الهندي بتعليم متفوّق نوعيا وعدد أكبر من سنوات الخبرة، وبالتالي، سيكون الموقف المبدئي للمهندس الأردني رفض الاستغناء عن الحصانة التي توفرها القوانين الأردنية بخصوص العمالة الوافدة وخاصة الماهرة منها، وسيحرص المهندس الأردني من خلال الجسد النقابي الذي يمثل مصالحه ومن خلال قدرته التصويتية على الاحتفاظ بهذه الحالة بعد أن تماسّ بآثارها عندما قبل المهندس الهندي أن يأخذ وظيفة في إحدى الدول الخليجية مقابل 2000 دولار لم تكن كافية لا لتلبية طموحات نظيره الأردني ولا متطلباته المعيشية هناك.

أوروبا أيضا تعاني من المأزق نفسه، ففي الوقت الذي تحتاج فيه للملايين من العمالة غير الماهرة، فإنها تضع القيود أمام العمالة الماهرة في التدفق لأراضيها ولا يجد أي موظف في السفارة الأوروبية غضاضة في الاعتذار عن منح فيزا الدخول لطبيب ماهر لأنه سيجد وبسهولة عملا في بريطانيا؛ لأنه سيقبل في تلك الحالة العمل بأجر أقل من الطبيب البريطاني، بينما سيتساهل الموظف نفسه في منح فيزا سياحية أمام وثائق معَدّة وفق الشروط المطلوبة لطالب لم ينه دراسته ويفكر في اقتناص فرصة عامل في أحد مصانع مانشستر.

المسألة تتخطى ذلك؛ ففي الوقت الذي تدعو فيه الدول الأوروبية دول العالم الثالث لرفع الدعم أو تقليصه للحدود الدنيا واعتماد آليات السوق الحر، فإنها - ولنفترض بريطانيا مرة أخرى - تقدم شتى أنواع المعونات الاجتماعية لمواطنيها بصورة نقدية مباشرة ومغرية لدفع أحد الشباب للحصول على المعونة، ومن ثم العمل «وقت الحاجة» لتوفير ثمن تذكرة السفر إلى النمسا لحضور نهائيات بطولة أمم أوروبا والانضمام لآلاف الهوليغانز!

ستمثل حوارات العامة أثناء بطولة أوروبا لكرة القدم ومناكفاتهم مادة ثرية للباحثين الاجتماعيين لرصد توجهات الأوروبيين تجاه الاتحاد الأوروبي كمشروع ومستقبل مشترك، ولكن هل سيدفع ذلك السياسيين في بروكسل لإعادة النظر في المواقف الحقيقية لأوروبا من اقتصاد عالمي مفتوح لا يختبئ خلف وسائل الحصانة الاقتصادية ويقبل فكرة المنافسة الحرة قبل أن يعمد لتصديرها لدول العالم الثالث في صورة دعائية برّاقة؟

*كاتب أردني، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً