زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى بغداد أمس لا يمكن أن تفسر على أنها فقط نتائج الضغط الأميركي المتواصل على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع العراق، بقدر ما هي نتيجة مواقف رسمية عراقية إيجابية على المستويين الاقتصادي والسياسي.
الخطوات العراقية التي مهدت لزيارة المسئول الإماراتي والتي تعد أول زيارة لمسئول خليجي بهذا المستوى منذ احتلال العراق العام 2003 وحتى الآن، يقف خلفها عاملان مباشران كما قلنا أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، الاقتصادي يتمثل في السوق الاستثمارية العراقية الواعدة والتي بدأت بعقود بين البلدين كان طرفاها الحقيقيان إقليم كردستان العراق وشركات إماراتية كبرى كـ «دانا غاز» و «داماك»، حيث وقعت الأولى نهاية أبريل/ نيسان الماضي عقدا لاستثمار حقل «خورمور» الكبير للغاز الطبيعي في شمال العراق، فيما وقعت الثانية قبل يومين عقدا لإنشاء فنادق ومنتجعات سياحية تقدر بأربعة مليارات دولار، وهذه الاستثمارات قابلة للزيادة إذا ما تحقق الاستقرار والأمن في كل المحافظات العراقية ولاسيما الجنوبية منها.
إن دخول الإمارات إلى الساحة الاقتصادية العراقية يمثل فرصة مشتركة للاستفادة بين الطرفين، فالعراق الذي كان حتى العام 2003 سوقا مغلقة أمام الاستثمارات الخارجية بسبب الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا عليه، بالإضافة إلى طبيعة سوقه غير المفتوحة، هو الآن بأمس الحاجة إلى خبرات اقتصادية واستثمارية واسعة يمكن أن توفرها الإمارات المعروفة بقدرتها على مستوى العالم، وهو ما قد يؤهلها لأن تكون (المدير التنفيذي) للاقتصاد العراقي، وخصوصا أنها تطمح إلى استثمارات واسعة من بينها إدارة ميناء البصرة.
أما العامل السياسي لهذه الزيارة فقد بدأ بموقف تصعيدي حدث في ختام مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الأخير والذي عقد في أربيل العراق منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، حيث اعترض نائب رئيس البرلمان العراقي خالد العطية على البيان الختامي للمؤتمر لإدانته الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي، ورفض العطية خلال اعتراضه تأييد الإمارات لاستعادة هذه الجزر، ما أثار حفيظة الوفود العربية ولاسيما الإماراتي منها الذي اعتبر موقف العطية تحولا خطيرا في الموقف العراقي الرسمي الذي يدعو إلى استعادة الجزر إلى الحضن العربي.
موقف نائب رئيس البرلمان العراقي ترك انطباعا لدى الوفود العربية المشاركة يؤكد ما يقال عن تبعية بعض المسئولين العراقيين لإيران على حساب هوية العراق العربية.
على رغم الصورة السلبية التي عكسها موقف العطية، فإن الحكومة العراقية عرفت كيف تستفيد من ذاك الموقف لتحوله إلى عنصر إيجابي لصالحها أمام الدول العربية المتشككة من الولاء العراقي، حيث سارعت حكومة بغداد إلى إرسال مذكرة رسمية إلى الحكومة الإماراتية أكدت فيها أن العراق يؤيد «بالمطلق» سيادة الإمارات على جزرها الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى»، متجاهلة بتلك المذكرة غضب الطرف الإيراني الذي استدعى في حينها السفير العراقي في طهران ليعبر له عن استيائه من الموقف العراقي، طالبا من بغداد «تصحيح موقفها من قضية الجزر».
وصول الوزير الإماراتي إلى بغداد بخطوة عراقية أساسها مصالح سياسية واقتصادية مشتركة، فهل ستعرف الحكومة العراقية أن تستثمر مثل هكذا مصالح مع دول عربية أخرى؟
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2100 - الخميس 05 يونيو 2008م الموافق 30 جمادى الأولى 1429هـ