جاء التقرير السنوي الصادر حديثا عن وزارة الخارجية الأميركية الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر والذي وضع مملكة البحرين ضمن التصنيف الثاني الخاص بالدول التي تقوم بجهود في هذا المجال بمثابة اعتراف جديد بالنقلة التي قطعتها المملكة في مسيرتها الديمقراطية، وإقرار بنجاح جهود البحرين في مجمل سياساتها لصيانة حقوق الإنسان التي عززها المشروع الإصلاحي، وبالتالي لم يكن مستغربا أن تحصد المملكة يوما تلو الآخر تقديرات عالمية تجسد مدى نجاح جهود القيادة السياسية والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في هذا الصدد.

ويأتي الإنجاز الجديد، الذي لم يأت من فراغ وإنما نتيجة جهود عديدة، مباشرة بعد الإنجاز الدبلوماسي والحضاري الذي حققته البحرين الشهر الماضي بفوزها في انتخابات عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحصولها على 142 صوتا من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ويمكن تقييم منهج مملكة البحرين وجهودها في مجال مكافحة الاتجار بالبشر في ضوء ما يلي:

أولا: أدركت البحرين أهمية وضع التشريعات الدستورية والقانونية التي من شأنها مكافحة الاتجار بالبشر، وجاء القانون رقم (1) لسنة 2008 الذي أصدره العاهل في يناير/ كانون الثاني الماضي بشأن مكافحة الاتجار بالبشر تتويجا لذلك التوجه، ولاسيما أنه يعد من أفضل القوانين التي تم إعدادها في مجال مكافحة الاتجار بالبشر على المستوى الدولي، ويعتبر بمثابة قانون نموذجي بشهادة الخبراء الدوليين لاحتوائه على ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والبروتوكولين المكملين لها (برتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، وبرتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالبشر وخاصة النساء والأطفال).

ثانيا: استحدثت البحرين لجانا وطنية خاصة ومؤسسات اجتماعية متخصصة بهدف تتبع هذه الظاهرة والتعامل السياسي والأمني والنفسي مع القائمين عليها والمتضررين منها، إذ إنه تطبيقا للقانون السالف ذكره تم إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بقرار من وزير الخارجية تختص بوضع برامج لمنع ومكافحة الاتجار بالبشر وحماية ضحايا الاتجار من معاودة إيذائهم، فضلا عن استحداث شعبة لمكافحة الاتجار بالبشر تابعة لوزارة الداخلية، كما قامت وزارة التنمية الاجتماعية في العام 2006 بافتتاح «دار الأمان» التي تعمل علي إيواء رعاية النساء والأطفال من ضحايا العنف النفسي والجسدي والمجتمعي سواء كانوا من البحرينيين أو غير البحرينيين، وكذلك قامت اللجنة الوطنية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر بإصدار مطوية بعدة لغات تبيِّن حقوق العمال وكل ما يتعلق بإجراءاتهم وكذلك الخط الساخن للتبليغ أو المشورة عن أي مشكلة تصادفهم أثناء وجودهم في البحرين وتسلم للعامل بمجرد وصوله البحرين.

كما أن مملكة البحرين قامت بتأسيس علاقة جديدة بين العامل وصاحب العمل من خلال إقرار مشروع هيئة سوق العمل الذي يهدف إلى تعديل كفة التوازن بين العمالة البحرينية والأجنبية، وافتتحت دار الأمان ووضعت وزارة العمل خطا ساخنا للتبليغ عن الشكاوى المتعلقة بالاتجار بالبشر والتحقيق فيها وملاحقة المخالفين قضائيا إضافة إلى تسريع الإجراءات القانونية للقضايا المتعلقة بالاتجار بالبشر في المحاكم.

ثالثا: دعمت المملكة الجهود الإقليمية والدولية الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر، وذلك من خلال المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات بغرض تبادل الأفكار والمقترحات بشأن التنسيق المشترك لمكافحة هذه الظاهرة، حيث شاركت المملكة في متلقى فيينا لمكافحة الاتجار بالبشر الذي عقد من 13 حتى 15 فبراير/ شباط 2008 بوفد ضم ممثلين عن وزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة العدل والنيابة العامة ووزارة التنمية الاجتماعية وهيئة تنظيم سوق العمل، وتمت خلاله مناقشة كيفية الحد من استضعاف الناس، وكيفية إنقاذ مزيد من الضحايا وتحسين حمايتهم، وكيفية تحقيق مزيد من النجاح في قمع ومعاقبة جرائم التكسب بمصائر بشر آخرين، إضافة إلى تنقيح كل هذه التدابير لجعلها أكثر واقعية من الناحية المعلوماتية، فضلا عن أن الوفد عرض أمام الملتقى تجربة البحرين في مجال مكافحة الاتجار بالبشر وأهم الجهود المبذولة والإنجازات المتحققة في هذا المجال.

واستضافت المملكة في يناير/ كانون الثاني الماضي «دورة بناء القدرات وزيادة الوعي بشأن مكافحة الاتجار بالبشر» التي نظمتها منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع وزارة الداخلية البحرينية والتي تلقى خلالها الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون محاضرات نظرية وتطبيقات عملية للتحقق من حالات الاتجار بالبشر وفقا للبرنامج المصمم بتحديد عملية الاتجار بالبشر بحسب تعريف الأمم المتحدة، وأساليب تجنيد الضحايا وانعكاس نتائجها علي المجتمع.

وعززت البحرين تعاونها مع منظمة الهجرة الدولية (أي أو إم) التي افتتحت مكتبا لها حديثا في المنامة حيث تم الاتفاق مع المنظمة على إطلاق مشروع لبناء القدرات ونشر التوعية فيما يتعلق بمحاربة الاتجار بالبشر.

رابعا: انضممت البحرين إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تهتم بمكافحة الاتجار بالبشر، إيمانا منها بعالمية الظاهرة وعدم اقتصارها على دولة بعينها، حيث انضمت في العام 2004 إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية والبروتوكول التابع لها والخاص بمكافحة الاتجار بالأفراد، كما انضمت إلى الاتفاقية الخاصة بالرق المبرمة في سبتمبر/ أيلول 1926، والمعدلة بالبروتوكول المحرر في العام 1953، وإلى الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق للعام 1956 وغيرها من الاتفاقيات.

ومن المناسب تجديد التأكيد هنا أن حماية وضمان احترام حقوق الإنسان في البحرين تتم في إطار مؤسسي وعلى أساس من سيادة القانون أرسى قيمها ميثاق العمل الوطني، ورسخها دستور العام 2002 الذي وضع أساسا لحماية الحقوق والحريات، وكفل حق التقاضي باعتباره من الحقوق العامة المكفولة للجميع، فضلا عن أن الدستور أعطى في مادته (37) الاتفاقيات الدولية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، فضلا عن قرار مجلس الوزراء في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بإنشاء هيئة لحقوق الإنسان تختص بوضع خطة متكاملة لتعزيز وتنمية حماية حقوق الإنسان بالبحرين واقتراح وسائل تحقيق هذه الخطة وتقديم مقترحات وتوصيات إلى الجهات المختصة في كل ما من شأنه حماية حقوق الإنسان وتلقي الشكاوى في مجال حماية حقوق الإنسان ودراستها لبحث سبل تسويتها مع الجهات المعنية بما يجسد أسس حضارة وثقافة البحرين العربية والإسلامية السمحة ويتوافق مع التزاماتها الدولية.

وختاما، من المهم الإشارة إلى أن الجهود التي تقوم بها مملكة البحرين لمحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر تأتي تفعيلا للإجراءات التي تتخذها المملكة بصفة عامة لصون كرامة الإنسان وتعزيزا للجهود الدولية المبذولة لحماية الأفراد ومحاربة الاتجار بهم، ولكن من الضروري بمكان التأكيد أن ظاهرة الاتجار بالبشر أضحت ظاهرة عالمية، الأمر الذي يتطلب تعاونا وتنسيقا دوليا من نوع خاص لمكافحتها أولا والقضاء عليها نهائيا.