هناك فجوة لغوية بارزة بين الطرح الذي يستخدمه زعماء الجالية الدينية والطرح المستخدم من قبل الشباب المسلم في المجتمعات الغربية. هذه الفجوة في التواصل هي سبب تنامي انفصال الشباب المسلم عن المعتقدات الإسلامية الأساسية، كاحترام معلميه وكبار السن والفضائل الأخلاقية والقيم العالية، ويسيرون في سبيل يختلف بشكل أساسي عن ذلك الذي اتبعه أباؤهم.
ورغم أن لغة القرآن الكريم ولغة الرسول (ص) هي اللغة العربية التقليدية، يعلمنا القرآن نفسه، أن الله تعالى خلق البشر بألوان متنوعة وأنهم يتحدثون لغات مختلفة. إضافة إلى ذلك، يجري تذكير المسلمين كيف تحادث الأنبياء، الذين أُرسلوا لتشجيع وتنمية الإيمان، بلغة المجتمعات التي عاشوا فيها. من الأساسي إذن أن نتكلم مع الناس بلغة يفهمونها.
لسوء الحظ أن الكثير من الزعماء الدينيين في إنجلترا الذين هاجروا إلى إنكلترا، لا يجيدون الإنجليزية، الأمر الذي يترك الشباب البريطانيين المسلمين في حيرة وريبة وإحباط حول الرسالة الحقيقية للإسلام، اعتمادا على مثل إنسانية واحترام قوانين البلاد.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه هؤلاء الزعماء بلغات مثل الأوردو والبنجابية والعربية والسواحيلي وغيرها من اللهجات القاربّة التي تفهم من قبل شرائح معينة من المهاجرين الأكبر عمرا من الجيل الأول، قد لا تكون هذه اللغات شائعة أو معروفة أو مفهومة لدى الشباب في البلد المضيف، الذي تشكل اللغة الإنجليزية لغته الرئيسة.
أين يقع العبء إذن وأين تقع مسئولية تعليم المسلمين؟ هل هي عند الإمام الذي يغط منذ سنوات بلغته الأصلية أو عند أهل هؤلاء الشباب الضائعين؟ أم عند الشباب أنفسهم الذين لا يستطيعون فهم العظات والخطب؟
أدت الطروحات التي دارت لدى علماء مسلمين كبار وأكاديميين وسياسيين في ما يتعلق بالمسلمين في بريطانيا منذ تفجيرات السابع من يوليو/ تموز في إنجلترا إلى نتائج مفادها أنه عندما يستطيع الشباب البريطانيون فهم الأخلاقيات الإسلامية الحقيقية فإنهم يبدأون باللجوء إلى قنوات ووسائط أخرى لتعلم مُثُل عقيدتهم. عند هذا المنعطف بالذات قد تشكل هذه القنوات تفسيرات متطرفة مشوهة للدين، وبالتالي اختطاف الأذهان الشابة المعرضة وتوجيهها نحو ونهايات كارثية، كما شهدنا في تفجيرات 7/7. إحدى نتائج هذه الطروحات توصية مفادها أن يُطلب من الواعظين في المنابر أن يجيدوا الإنجليزية بطلاقة. وتتصادف هذه الفكرة مع الأمثلة النبوية في التقاليد الإسلامية.
لسوء الحظ، حتى لو أصبحت هذه التوصية حول اللغة مطلبا، فسوف يبقى أسامة بن لادن وغيره من الذين يعظون بالعربية قادرين على إقناع الكثيرين من الشباب على الانضمام إلى حملاتهم المتطرفة. ويعود السبب في ذلك إلى أن إعلام التيار الرئيس، الذي يعطيهم وقتا مجانيا في العملية، يترجم رسالتهم إلى الإنجليزية للجمهور الغربي ومن ثم يقوم بإضفاء جو من الإثارة على كلماتهم.
لم يتدرب بن لادن والكثيرون غيره في النظام الهرمي للقاعدة في مجال العلوم الإسلامية التقليدية الكلاسيكية، فيستخدمون مناصبهم ذات الشهرة الواسعة لتحقيق أهدافهم السياسية من خلال اجتذاب الشباب نحو شكل مشوه من أشكال الإسلام.
وعلى رغم أن بعض مفجري 7/7 كانوا ثنائيي اللغة، فقد اختاروا رغم ذلك اتباع الطريق المظلم الذي اتبعوه. لذا ليست القضية هي قضية اللغة فقط. لو أُعطي هؤلاء الشباب طريق الوصول المفتوح والسهل إلى علماء المسلمين في التيار الرئيس في الغرب، الذين يتحادثون بسلاسة باللغتين، والعالمين بتفاصيل الإسلام التقليدية، فمن المحتمل ألا يكونوا اختاروا الطريق الذي اختاروه، ولكانوا أدركوا بالتأكيد أن التفجيرات الانتحارية وقتل المدنيين الأبرياء لا مكان له في الإسلام.
إلا أن أسلوبا آخر لحل مشكلة التواصل هذه يكمن في كسر الثقافة الأحادية الشكل والموجودة في مساجد معينة في كافة أرجاء الدولة، حيث تدير مجموعة قسرية من الأئمة واللجان جميع النشاطات الدينية والمجتمعية وتضع معوقات كبيرة أمام المشاركة.
علينا أن نكسر هذه القيود وأن نسمح بجيل جديد من علماء الإسلام، العالمين بالعلوم السياسية التقليدية والمعاصرة، أن يتواصلوا مع الشباب على مستوى الجذور وفي الإعلام بلغة تنعكس أصداؤها في قلوبهم وعقولهم. من خلال عمل ذلك سيكون للشباب فهم معمق بالإسلام، ووقتها فقط يمكن لفجوة التواصل التي تغذي مشكلات التطرف والإرهاب، وتبعد الأذهان التي يمكن التأثير عليها بسهولة عن تعاليم الإسلام الحقة، أن تُحل.
* حائز شهادة الحقوق والماجستير في القانون الاقتصادي العالمي من جامعة وورويك، وهو متخصص في السياسة والاقتصاد والشئون الإسلامية التقليدية والمعاصرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2099 - الأربعاء 04 يونيو 2008م الموافق 29 جمادى الأولى 1429هـ