إحدى أهم الخصائص التي تميزت بها التجربة الخمينية في إيران هي أنها فتحت بعد وفاة الإمام الخميني الطريق نحو تأسيس تأويلات متعددة للخمينية بوصفها «النص الرئيس» للتجربة الإيرانية الإسلامية، فكان أن تزاحم الإيرانيون من مستوى النخبة حول النص الرئيس واختلفوا فيه، وهو بالتحديد ما أعطى هذا النظام القدرة على معايشة تغيرات الزمكان داخل إيران وخارجها في أكثر من محك.
ظهور الخمينيات المتخالفة والمختلفة في تأويل الخمينية بعد الخميني لم يكن شقا أو كسرا أو تقويضا للنص الرئيس الذي وضعه الإمام الخميني، بل كان إثراء للتجربة، والأهم من ذلك أنه كان بمثابة الإنهاء لتقديس أي رأي منفرد يدعي امتلاك الحقيقة الأبدية وتمثيل الفكر الخميني الأصيل.
كان للإيرانيين أولا وللعالم ثانيا أن يقرأوا الخميني كما يفهمه رفسنجاني حينا، أو ناطق نوري، أو كما يفهمه خاتمي حينا أخرى. أما على صعيد خارج إيران فإن الذين استقوا من الخمينية شعاراتها أصيبوا بحالة تلبد في الفهم ومتابعة ما يستجد أو يطرأ على الخمينية بعد وفاة الإمام الخميني. ولذلك فقط لم تتغير لديهم الخمينية وبقيت في حدود الفهم الأول للنص؛ مما جعلهم عاجزين عن الحياة أو مسايرة ما يستجد من معطيات.
الذي يبدو واضحا اليوم هو أن أسوأ نماذج فهم الخمينية ونصوصها الأولى هي تلك الخمينية التي تمسك بزمام السلطة في إيران، المتمثلة في الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فعلى الرغم من المخاطر الخارجية الكثيرة التي تحيط ببلده، والمشكلات الكثيرة في الجوانب السياسية والاقتصادية والحريات العامة التي تقهر الإيرانيين كل يوم وتجعلهم على شفا حفرة من الجوع، لا يبدو هذا الرئيس مكترثا بالأولويات التي تشغل المواطن الإيراني. فهو - على ما يبدو مع كل تصريح من تصريحاته - مشغول بالحكايات والأساطير عن ازالة اسرائيل تارة، أو بتمرير مضامين معتقدات خاصة لا يفهمها العالم تارة أخرى، كل ذلك دون مراعاة لأي ضوابط سياسية أو بروتوكولية.
كل الخوف أن تتسبب أسوأ أنواع الخمينية التي تمسك بزمام الأمور في كارثة على إيران وعلى جميع دول المنطقة. فخلاف أن جميع الأطراف المعنية بهذا الوضع المتأزم تذهب نحو خيار التعقل وتغليب الدبلوماسية لحلحلة الملفات العالقة مع ايران، لا يبدو الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في جميع مواقفه إلا كمن لا يريد لهذه المنطقة أن تنعم بالأمن والأمان. وعلى الرغم من أن أسعار النفط التي يعود خراجها ليد حكومته تستطيع أن تجعل من دولته أسطورة جديدة في الشرق فإنه يبدو مصرا على توجيه هذه المليارات صوب تعزيز ترسانته العسكرية وتطويرها، التي يدعي أنه سيزيل بها جرثومة الشر «إسرائيل» ذات يوم!
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ