العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ

ولنا في قصة السادات عبرة

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

نظمت جمعية المنتدى منذ أيام ندوة بعنوان «مستقبل الاسلام السياسي»؛ حيث حذر الكاتب المصري والباحث في الشأن السياسي مجدي خليل من انتظار جماعة الإخوان المسلمين، ومن وصفهم بأتباع تيار الاسلام السياسي حدوث حالات من الفوضى في بلدانهم نتيجة عصيان مدني واسع، لاستغلال ذلك في الاستيلاء على الحكم والانقضاض على الأنظمة، مؤكدا امتلاءها من أصوات الفقراء الذين يمدون لهم يد العون.

ومن جانبه، قام الشيخ صلاح الجودر «كناشط سياسي» بالاشارة الى أن مفهوم الاسلام السياسي يتمثل في الجماعات الاسلامية الموجودة في الساحة والمتحزبة مع بعضها، وكذلك في الجماعات التي تظن نفسها «الفئة الناجية»، والتي تضع لنفسها برنامجا خاصا تخفي بعضا منه وتظهر البعض الآخر.

كما صرح باقر النجار وهو أكاديمي متابع للشأن العام، بأن هذه المجموعات تعيش على فشل الأنظمة العربية، وبالتالي فإن عملية استقطاب الثروة في المجتمع ومسك السلطة من قبل أقلية، وعزل الأكثرية ساعد جماعات الاسلام السياسي على أن تخترق الجماعات الفقيرة كما هو واضح في النموذج المصري، حيث قدَّمت خدمات تعليم وصحة واسكان وغيرها.

ولنا في قصة الرئيس المصري الراحل أنور السادات عبرة ابان فترة حكمه الى اغتياله من قبل أحد هذه التيارات، حيث نمّى السادات الحركات الاسلامية وعلى رأسها تيار الإخوان المسلمين، والذين كانوا - كما اتفق معه خليل والجودر والنجار - يتغذون ويكبرون من خلال الطبقة الفقيرة، وقوتهم أخذت تستشري وتستعر يوما بعد يوم خاصة بعد حصولهم على العائد المادي من بعض الاستثمارات الضخمة، وعندما تكونت لهم شعبية هائلة في مصر، أصبح من الصعب كبح لجام هذه الفئة، والسبب هو طمع هذا النوع من التيارات في الاستيلاء على الحكم واشاعة الفوضى في دولة متجانسة مثل مصر.

وبعد أن فتح السادات لهم جميع الأبواب وخاصة الباب السياسي الذي كانوا يتعطشون لملامسته، وبعد أن مكّنهم من جميع المؤسسات - العسكرية والاجتماعية والسياسية - ما كان منهم إلا أن اغتالوه، وهذا خطأ تاريخي لا يغتفر لجماعة الاخوان المسلمين.

وفي التحليل السابق الذي ذكر من قبل الباحثين الثلاثة، نجد مطابقة ما شرحوه في الندوة، مع ما نراه الآن في صفوف هذه التيارات الاسلامية المسيّسة سواء في جمهورية مصر العربية أو في دول عربية أخرى؛ فغالبيتهم يعتمدون على الطبقة الفقيرة في مبدأ الأكثرية، وكذلك يقومون بإبعاد الناس وتجييشهم وشحنهم على السلطة الحاكمة، وتغيير نظرة البسطاء على القائمين في شئون الحكم، وكذلك شحذهم واصرارهم على تقلد المناصب المهمة في مؤسسات الدولة؛ لتكون لهم قوة ونفوذ داخلها، فكثير منهم يستخدمون المنهج الديني والتيار الاسلامي في الوصول الى مآرب شخصية أو أبعاد سياسية تفيدهم.

إن الدولة هي التي تنشئ هذا النوع من التيارات وهي التي تتحمل عواقب ما يحدث، مثلما كان في قصة الرئيس أنور السادات الذي ذهبت حياته بسبب احتوائه لهذا النوع من التيارات السياسية المتأسلمة؛ ظنا منه بجذوة الدين الموجودة داخل النفوس. فلو كان السادات على علم بما يخطط له هذا التيار، لما قام بتقريبهم الى مناصب الدولة السياسية والعسكرية الحساسة في ادارة الحكم!

لقد استنبط الفيلسوف كارل ماركس من خلال اطروحاته ونظرياته المادية، أن «الدين هو أفيون الشعوب»، وعلى رغم اختلاف الفكر مع كارل ماركس ومقولته هذه، فإن هناك حقيقة واقعة وملموسة في واقعنا المعاصر، وخاصة في صفوف التيارات المتأسلمة، فاستغلال الدين بهذه الطريقة يؤثر على مشاعر العموم وخاصة الفقراء منهم، الذين وجدوا في الدين ملاذا وخلاصا من الحرمان المادي والاجتماعي والنفسي الذي يعانونه؛ فتم الاستيلاء على فكرهم وادخال أفكار بديلة تنادي بالثورة على السلطان الجائر، سواء استخدموا الطريقة المباشرة مع الناس أو غير المباشرة، وبطريقة حذرة جدا حتى لا يصل ما يشيعونه الى أولي الأمر!

إن هذا الاخطبوط لا يبسط قوته على طبقة الأغنياء، بل يستمد القوة من الفقراء والمحتاجين، مستغلا قصر الحال والحاجة المستعصاة عند هذه الطبقة.

أما بالنسبة الى جزئية تغيير بعض المبادئ التي يدعون الناس اليها في منابرهم كتقصير الثوب وإطالة اللحى وما الى ذلك؛ فإنها تذهب مع علو الشأن وارتفاع مستوى الدخل لديهم، وأعتقد بأن علماء الاجتماع قد تناولوا عملية التغيير الاجتماعي عند تيارات الاسلام السياسي.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً