العدد 2300 - الإثنين 22 ديسمبر 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1429هـ

حرب إقليمية باردة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الجلسة الثالثة من الحوار الوطني اللبناني انتهت أمس في قصر بعبدا الرئاسي من دون نتيجة. فالحوار الذي بدأ بناء على توصية في الدوحة تحول مناسبة رسمية تلتقي فيها الأطراف للنقاش بشأن القضايا العامة وتحديدا استراتيجية الدفاع وتنظيم العلاقة بين الدولة والمقاومة. ويرجح أن يستمر الحوار جلسات أخرى من دون التوصل إلى اتفاق نهائي باعتبار أن الأطياف اللبنانية تنظر إلى الدفاع الوطني من مواقع مختلفة تطغى عليها رؤى طائفية ومذهبية. وبسبب هذا التنوع اللبناني ظهرت وجهات نظر موزعة على عدد المناطق والطوائف والمذاهب يرجح أن تواصل اختلافاتها وتجاذباتها على ساحة بلاد الأرز إلى أن تتوضح معالم الصورة الإقليمية التي يمكن أن تطرأ عليها تعديلات في عهد الرئيس المنتخب باراك أوباما.

قوى «8 آذار» تتوقع متغيرات وهي تراهن على احتمال بدء التفاوض الأميركي مع إيران بصورة علنية وتحت الأضواء الكاشفة بعد مرور سنوات على اللقاءات السرية و«الفنية» و«التقنية» في بغداد وغيرها. كذلك تراهن القوى نفسها على احتمال تطور المفاوضات السورية - الإسرائيلية وانتقالها من الوساطة التركية إلى تحت المظلة الأميركية. وبناء على هذه التوقعات ترى قوى «8 آذار» أنه لا فائدة ترتجى من الحوار اللبناني الداخلي قبل التعرف على التوجهات الأميركية الجديدة والصيغة التي يمكن أن تتوصل إليها في المرحلة المقبلة.

قوى «8 آذار» تبالغ كثيرا في انتظارها وتتوقع حصول متغيرات لمصلحة المحور الإيراني - السوري، لذلك تفضل ألا تتورط في توافقات وتفاهمات وتعهدات لبنانية قبل أن تبدأ إدارة واشنطن المنتخبة خطواتها الثابتة في الشهور المقبلة. المسألة طويلة نسبيا وهي تتطلب كما يبدو قراءة هادئة لذلك ترجح الأطراف اللبنانية أن تستمر الساحة متأرجحة بين الاستقرار والفوضى حتى تأتي الأخبار من خارج بلاد الأرز.

قوى «14 آذار» أخذت منذ حوادث 7 مايو/ أيار الماضي تراجع ملفاتها وتعيد قراءة تفصيلات كانت غائبة عن رؤيتها العامة. موضوع الحرب الأميركية على إيران تراجع إلى الصفر ولم يعد مطروحا على جدول الأعمال. وموضوع التوصل إلى صيغة «الدولتين» في فلسطين قبل نهاية السنة الجارية أصبح في «خبر كان» بعد أن أعلن جورج بوش نفسه عن سقوطه متمنيا أن يتحقق في عهد خلفه. وموضوع استعادة لبنان مزارع شبعا وكفرشوبا لم يعد واردا الآن بعد أن أعيد ربطه بالتفاهم السوري - الإسرائيلي وبترسيم الحدود اللبنانية - السورية.

قوى «14 آذار» تنتظر أيضا عملية التسلم والتسليم في واشنطن للتعرف على مدى صحة تلك المراهنات التي تعول قوى «8 آذار» عليها. فهذه القوى تقرأ بدورها المتغيرات وترى أن هناك تعديلات أميركية باتت جاهزة وآتية إلى المنطقة، ولكنها لا تبالغ كثيرا في التعويل عليها انطلاقا من رؤية الثوابت الاستراتيجية ومواقف واشنطن من الملفات المتصلة بأمن «إسرائيل» وأمن النفط ورفض أوباما إمكان توصل إيران إلى إنتاج قنبلة نووية.

انقلابات إقليمية

هذا لا يعني أن قوى «14 آذار» ليست خائفة من انقلابات إقليمية باردة قد تعصف بالساحة اللبنانية بقصد التأثير على الانتخابات النيابية في مايو المقبل. فالمخاوف صحيحة في جوانب محددة من الصورة. موضوع أمن «إسرائيل» مثلا قد يتحول إلى ورقة تفاوض بين واشنطن ودمشق على غرار ما حصل مع باريس بعد تسلم نيكولا ساركوزي مقاليد الرئاسة الفرنسية. وأمن النفط يمكن أن يأخذ أبعاده الدولية باعتبار أن الطاقة تشكل قاعدة أساسية للاقتصاد العالمي وتوازن القوى التي تتحكم بالتجارة والإنتاج والأسواق. وفي الحالين هناك مخاوف من أن تحصل مقايضة على حساب سيادة لبنان لمصلحة أمن «إسرائيل» وتشتد الضغوط على دول مجلس التعاون حتى توافق على إدخال العراق «الجديد» في المعادلة الإقليمية الخليجية تحت غطاء أمن «النفط» وخطوط إمداداته. والمشكلة الكبيرة التي يمكن أن تزعزع استقرار لبنان هو حصول تفاهمات إيرانية - أميركية تبدأ بتراجع طهران عن مشروع التخصيب النووي مقابل تنازلات تعطي إيران مواقع نفوذ متقدمة في العراق وبلاد الأرز ومنطقة الخليج.

كل هذه المخاوف تتداولها قوى «14 آذار» بصفتها تشكل أدوات ضغط عليها سواء نجحت المفاوضات الأميركية مع سورية وإيران وتوصلت إلى تفاهمات أو فشلت في التوصل إلى توافقات. فالنجاح يعادل انتقاص من السيادة والفشل يعني تقويض الاستقرار والعودة إلى الحرب الساخنة. لذلك تبدو قوى «14 آذار» حائرة في اختياراتها السياسية بين السيادة والاستقرار وبين نجاح المفاوضات أو فشلها. السيادة تحتاج إلى تكتلات دولية وإقليمية ثابتة تضمن وحدة لبنان واستقلاله. والاستقرار أيضا يحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية تضمن أمن لبنان ولا تفرط بسيادته. ومشكلة «14 آذار» أنها لا تمتلك القوى التي تستطيع أن تجمع بين السيادة والاستقرار ومخاوفها تبدأ من خطوة دولية ناقصة قد تتخذها واشنطن على حساب السيادة مقابل تأمين الاستقرار للبنان وضمان أمن «إسرائيل» تحت سقف حرب إقليمية باردة.

دخول المنطقة، ولبنان تحت مظلتها، في فترة حرب إقليمية باردة بات من الاحتمالات المرجحة في حال توصلت القوى المتفاوضة على تأجيل الحلول وتجميد المبادرات. وهذه المعادلة المتأرجحة تتطلب من «إسرائيل» أن تبقى في مكانها لا تتراجع ولا تنسحب، وسورية تتمسك بحقوقها السيادية في الجولان، وإيران تقايض بين الملف النووي مقابل الدور والنفوذ، وأميركا توقف اسراتيجية التقويض وتتخلى عن سياسة تغيير الأنظمة وتكتفي بتغير سلوك الأنظمة. مثل هذه المعادلة واردة ويرجح أن تشكل الإطار العام لإدارة أوباما في الفترة الأولى من عهده.

الحرب الإقليمية الباردة تعني لبنانيا استمرار بلاد الأرز تتأرجح بين الفوضى والاستقرار حتى تتشكل معالم الصورة الدولية والدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه واشنطن من خلال سياسة البسط والقبض مع دمشق وطهران. وبما أن خريطة الطريق لاتزال في طورها البدائي ولا يتوقع أن تتوضح ألوانها قبل مرور أشهر على ولاية أوباما يرجح أن تتواصل جلسات الحوار الوطني في قصر بعبدا الرئاسي من دون نتيجة. فالميدان اللبناني لا تتحكم به آليات محلية فقط وإنما يخضع لتجاذبات جوارية وإقليمية تنتظر متغيرات دولية يمكن أن تدفع عجلات «8 آذار» إلى الأمام وربما تؤدي إلى تطورات غير محسوبة تخفف قليلا من مخاوف «14 آذار»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2300 - الإثنين 22 ديسمبر 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً