على رغم الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانى منها لبنان عبر سنين كثيرة والتي انتهت إلى العنف قبل أسابيع من تحقيق اتفاق الدوحة - لاحظت حديثا أن عدد الطلاب الأجانب في حرم الجامعة الأميركية في بيروت أخذ بالازدياد. عليك فقط حضور أحد مقاسات الدراسات الشرق أوسطية لتلاحظ وجود التنوع في الجنسيات وطلاب حضروا من الولايات المتحدة وجميع أنحاء أوروبا.
إضافة إلى اهتمامهم الواضح بتعلم المزيد عن ثقافة الشرق الأوسط من خلال دراستهم في الخارج، فقد قام أغلب الطلاب الأجانب باعتناق الحياة في بيروت والتأقلم معها.
لا بد وأن أعترف أنني دهشت لرؤية أي شخص يختار طوعية الحضور إلى بيروت والإقامة فيها، خصوصا بالنظر إلى الصراع الذي يبدو مستمرا دائما وحقيقة أن بعض أفضل الجامعات في العالم تقع في أوروبا والولايات المتحدة. ولكن عندما سألت طلابا عن السبب الذي يجعل أوروبا جذابة إلى هذا الحد، كانت الإجابة متكررة وبسيطة نوعا ما.
يصف كيفن قصته باختصار: «حضرت إلى هنا العام 2006 في زيارة قصيرة وأحببتها. فهي حيوية بشكل كبير. وبمجرد تخرجي من الجامعة في الولايات المتحدة، قررت العودة إلى بيروت، ولهذا تقدمت بطلب إلى الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الماجستير وقبلت وانتقلت للإقامة هنا».
يقيم معظم الطلبة الأجانب بالقرب من الجامعة في منطقة الحمرا ويألفون نمط الحياة في المدينة في خلال شهور منذ مجيئهم. ومن المستغرب أنهم لا يحتاجون إلى مساعدة للتجول وهم يعرفون أماكن لم نسمع بها نحن اللبنانيون.
قال لي طالب آخر، واسمه فرانسيس، إنه أصبح زبونا معتادا في إحدى الحانات المحلية وإن صاحب الحانة يعتمد عليه الآن لمعرفة آخر صرعات الموسيقى.
سارة، طالبة أخرى، قالت لي إنها ذهبت إلى كافة الشواطئ الواقعة على الساحل اللبناني باستثناء تلك الموجودة في الجنوب، وهي تتطلع شوقا لاستكشافها في فصل الصيف القادم.
يلتحق الكثير من الطلبة في دورات اللغة العربية الفصحى وبعضهم يحرز مستوى عاليا من إجادتها. وفي أثناء هذه العملية، يطورون لكنة جميلة بلا شك ويحيّون زملاءهم الطلاب بكلمة «مرحبا» مفعمة بالمحبة والدفء. وقد وجدت نفسي أحيانا في موقف فريد من نوعه أطلب مساعدتهم بالكلمات التقنية، مع أننا نتحدث اللهجة اللبنانية منذ ولادتنا ونتعلم اللغة العربية الفصحى في المدرسة.
عندما تسأل الطلاب هنا في ما إذا تمكنوا من تحقيق صداقات، يتحدثون لك عن سهولة الأمر وعن الحياة الاجتماعية المزدهرة وعن كيف تقبلهم الناس بلطف ومحبة. «الناس هنا لطيفون جدا»، يقول دان، «فعندما يكتشفون أنني من نيويورك، يريدون أن يتعرفوا عليّ بشكل أفضل».
يعترف معظم الناس بأنهم كان لديهم آراء متحيزة عند وصولهم في بادئ الأمر، إلا أن هذه الآراء تبددت منذ ذلك الوقت وتبين أنها غير صحيحة. ويقول لي جيمس مازحا: «لا يوجد عرب مجانين، لقد كانوا نسجا من خيالي.»
ويقول آخرون إنهم بالرغم من معرفتهم قبل مجيئهم أنهم لن يكونوا في مكان يختلف كثيرا عن بلادهم، إلا أن أصدقاءهم وعائلاتهم حذروهم من المجيء إلى لبنان. «أنا سعيد لمجيئي» يقول دان، «إنني أدرك الآن أنه لا يتوجب علي وضع ثقة عمياء بما يقوله لي الناس».
بالنظر إلى القصة التي يتم سردها من وجهات نظر فردية، فإنك ترى حكاية عن ثقافات مختلفة تعيش معا وتتعلم من بعضها البعض وتتقبل بعضها البعض.
أما على المستوى الدولي، فهناك قصة أخرى، فالاستماع إلى النشرات الإخبارية المسائية يوفر نظرة إلى النقاشات والصراعات المتواصلة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وإلى الزيارات والمحادثات اللا منتهية لمختلف المسئولين السياسيين، وإلى حالة الاضطراب المستمر في التركيز على الفروقات بدلا من التفاهم المتبادل.
أنني أعتقد بأن الاختلاف بين هاتين القصتين جدير بالتأمل والتفكير.
أسأل نفسي لماذا وجدت صعوبة في تخيل أن الطلاب الأجانب يأتون إلى هنا طواعية ويتأقلمون بسرعة. لماذا استغربت عندما أدركت أنهم يعرفون أماكن في بلدي لا أعرف عنها شيئا أو أنهم يجيدون اللغة العربية بقدر ما أجيدها أنا؟
أعتقد أن هناك نزعة عند كلا الطرفين لتصنيف الطرف المقابل على أنه «الآخر» المتميز، طرف يختلف ثقافيا إلى درجة يستحيل فيها التغلب على هذه الاختلافات. إلا أن نظرة ثاقبة «في الميدان» تظهر أن الغرب والشرق يتفقان معا بشكل جيد.
أنا لا أدعو إلى شيء هنا، في ما عدا أن يقوم الناس بتأجيل إصدار حكمهم إلى أن يتعرفوا على «الآخر». فهم غالبا سيكتشفون أنهم ليسوا مختلفين على الأطلاق. وكما قال الفيلسوف موريس ميرلو-بونتي: «كيف يمكننا فهم شخص آخر دون التضحية به لمنطقنا أو التضحية بمنطقنا له؟»
أنني أدرك أن جدالي هذا قد يكون ساذجا بعض الشيء، حيث أنني أعي أن الحب ليس هو الشيء الوحيد الذي يدوّر العالم؛ فهناك قوى عالمية تلعب دورا وسياسات دول وما شابه ذلك وأمور لست بخبيرة فيها. مع ذلك، وفي خضم مثل هذا الصراع، فإنه لأمر جميل أن نرى الغرب والشرق يتفقان، على الأقل في الجامعة الأميركية في بيروت.
*طالبة جامعية تدرس علم الإنسان في الجامعة الأميركية في بيروت، والمقال ينشر في اطار برنامج «وجهات نظر الشباب» بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2097 - الإثنين 02 يونيو 2008م الموافق 27 جمادى الأولى 1429هـ