لقد وصل معدّل الغلاء في دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الأخيرة إلى 11 في المئة، وذلك بحسب مصادر صندوق النقد الدولي. ولكن ازدياد سعر النفط أعطى المجال للدول الخليجية بأنْ تواصل الصرف في مجالات مختلفة وكأنّ شيئا لم يكن، على رغم أنّ مثل هذه الظروف تستدعي الانضباط المالي والتباطؤ في الإنفاق الحكومي للسيطرة على الغلاء.
حاليا تقوم الدول الخليجية بضخ إعانات مباشرة وغير مباشرة للتخفيف من حدة الغلاء، ولكن آثار هذه التدابير مؤقتة إذ سرعان ماستتوقف هذه الإعانات في الوقت الذي ستستمر الموجة العالمية في زيادة الأسعار لأسباب متعددة.
إنّ الأسباب التي تحبذ بأنّ موجة الغلاء ستستمر كثيرة، ففي أميركا توجد أزمة في القروض العقارية، وآثار هذه الأزمة وصلت بلدان أخرى عديدة، كما أنّ هناك مخاوف حقيقية من ازدياد ثراء الشعب الصيني وأنّ ذلك سيحوّلهم من منتجين يصدّرون سلعهم إلى الخارج إلى مستوردين لكثير من احتياجاتهم الحياتية. فالصينيون الذين كانوا يقتصدون في الأكل (يأكلون مما يزرعون) من المتوقع أنْ يتحوّلوا إلى مستهلكين يستوردون غذاءهم (أكثر مما يصدرون) بعد ازدياد المال المتوافر لدى الفرد الصيني وانتقاله من العمل الصناعي والزراعي الشاق إلى العمل في مجال الخدمات.
وفي الخليج، اتجّهت الحكومات نحو بناء العمارات السكنية والمدن الاستثمارية في كلّ مكان، وفي دبي توجد آلاف المباني والعمارات التي ستكون جاهزة للسكن بعد أنْ صرف عليها الكثير لبنائها، ولكن ماذا سيحدث في الخليج لو انتقلت أزمة العقارات من أميركا إلينا؟ فلو نظرنا إلى دول متقدّمة أخرى، مثل: اليابان، التي أصيبت بمثل هذه الأزمة في مطلع التسعينات، فإنها احتاجت أكثر من عشر سنوات لاستعادة صحة الاقتصاد بالشكل الذي كان قبل الأزمة.
إنّ ماهو مطلوب من دول الخليج حاليا أنْ تنظر إلى إمكانية تحقيق التوازن بين متطلبات النهضة العمرانية الحالية ولكن مع تنويع الاقتصاد، وفي الوقت ذاته معالجة موضوع العمالة المهاجرة التي بدأت تتحوّل مشكلاتها الاقتصادية إلى مشكلات اجتماعية وسياسية. إنّ ازدياد مشكلة الغلاء وتفاعلها مع مشكلات العمالة المهاجرة، واستمرار النهْج الحكومي في ضخ معظم الأموال المتوافرة حاليا في العقارات، من شأنه أنْ يتجّه بالخليج إلى مسار مجهول.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2096 - الأحد 01 يونيو 2008م الموافق 26 جمادى الأولى 1429هـ