«لماذا؟ آه، لماذا أنا» هو موضوع شائع للشعر الفارسي والتذمر حول سوء الطالع، وهو شكل من أشكال الفنون الإيرانية. ليس هناك شح في الدلائل في التاريخ الإيراني حول هذا الموقف. الأرجح أن الملك زيركس كان أول المتذمرين حول حظّه الفارسي عندما أغرقت عاصفة أسطوله الضخم مقابل ساحل ماغنيزيا في القرن الخامس قبل الميلاد. كان فورتونا ينظر في الاتجاه المعاكس بعد 1100 سنة عندما خسرت الإمبراطورية الفارسية معركة فاصلة ضد العرب المسلمين بينما هبت ريح قوية وراءهم. وبينما بدت العناية الإلهية وكأنها تساعد أعداء إيران بالأعاصير والعواصف الرملية، بدت كذلك وكأنها لا تغفر أي عجز إيراني. لم يحتج الأمر لأكثر من خطأ واحد من شاه مهمل حتى توقفت الجحافل المغولية في مسيرتها غربا لتتحول إلى الجنوب وتسوي حضارة إيران التي بلغ عمرها 13 قرنا بالأرض فعليا.
الأمر أكثر ظلما عندما يتصرف الزعماء الإيرانيون بشكل صحيح، فيخالفهم قانون النتائج غير المنويّة. قبل حوالي ثلاثين سنة حصل أول رئيس وزراء إيراني بعد الثورة مهدي بازركان على مباركة آية الله الخميني حول دستور علماني وديمقراطي إلى درجة كبيرة.
إلا أن بازركان الليبرالي المتفائل المتمكّن، لم يترك الأمر على ما هو، وأصر على إقرار الدستور من قبل مجموعة منتخبة ديمقراطيا من الخبراء. ولكن ولفزع بازركان قامت عصبة يمينية عالية الصوت بالسيطرة على تلك الهيئة المنتخبة وتحويل الدستور الديمقراطي إلى مخطط لنظام شبه استبدادي.
يعود السبب في تاريخ الجمهورية الإسلامية المضطرب إلى درجة بعيدة إلى الدستور الخاطئ الذي يفضّل الثيوقراطيين غير المنتخبين على القادة المنتخبين ديمقراطيا. يشكل دستور إيران غير الديمقراطي (سليل المشاعر الديمقراطية الحقّة) إثباتا على أهمية الأحداث التاريخية في تاريخ إيران.
فالإيرانيون - رغم شكاواهم المتواصلة - يجيدون استغلال اللحظة في مناسبات نادرة عندما تكون النجوم مواتية لهم. من المعروف جيدا أن مثالية آية الله الخميني السياسية كانت سبب استمرار الإيرانيين في الاستمرار في القتال ضد العراق بعد سنوات طويلة من اتضاح عدم قدرتهم على النصر. فقد ندد الخميني بعنف ضد التفاوض مع «العنجهية العالمية» المتمثلة بشكل قبيح بصدام حسين. كانت فرصة ذهبية من الحظ الجيد أن الخميني لم يمت في وسط الحرب التي استمرت عشر سنوات في ثمانينيات القرن الماضي، فقد عاش الزعيم الذي يتمتع بشعبية لفترة كافية لشرب «كأس السم» (إشارته الشاعرية لقبول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 598) الذي أنهى الصراع في أغسطس/ آب 1988.
من خلال تجرّع ذلك الكأس أصبح آية الله الخميني الرمز العالمي لنصر «السياسة الواقعية» على «أخلاقيات الأهداف النهائية». استفاد الإيرانيون إلى أقصى حد ممكن من حسن حظهم الذي جاء متخفيا في ثوب الهزيمة والتراجع.
في صيف العام 1988 أصبح من الواضح فجأة أن الثيوقراطية كانت خداعا بصريا، وأن الإيرانيين (وليس سوء الحظ الكوني أو الأيدي الأجنبية الخفية) هم صانعو أحزانهم. كان تحول آية الله الخميني هو الذي وضع كادر النخبة الإصلاحية للثورة على طريق اللامؤسسة والديمقراطية وتطبيع موقف إيران الدولي.
ما تعلمه الإيرانيون حول عدم النصح بالخلط بين الدين والسياسة في ختام الحرب الإيرانية العراقية لم يكن في الإمكان تعليمه من خلال الوعظ بالعلمانية للمجموعات المعارضة في ورشات العمل السرية. كما لم يكن بإمكانها أن تأتي من ثلة من جيوش التحرير الغازية. طبعا، الإطار الحالي للجمهورية الإسلامية يقاوم بقسوة - مثله مثل أي نظام سياسي جرى تمكينه - الإصلاح. ولكن الحقيقة تبقى أن فترة ما بعد الحرب في إيران كانت فترة صحوة وتعلّم جماعي مرّكز. ويأتي ولع الإيرانيين الحالي بالديمقراطية نتيجة لتخرجهم من مدرسة الضربات القوية والمكلفة جدا.
النقطة الأساسية الآن هي إيقاف دعم رؤية الجناح اليميني الإيراني للعالم، حيث يقبع الأعداء الخارجيون وراء كل مشاكل إيران. يجب على هؤلاء الذين يدعمون أي تدخل عسكري مستقبلي من قبل الولايات المتحدة أن يدركوا أن القنابل الأجنبية لن تدمر فقط المواقع المشكوك بها وتقتل الإيرانيين فحسب، وإنما ستغضب إيران برمّتها. قد يُستخدم اليوم الذي يكتظ فيه السماء الفارسي بالصواريخ الموجهة والطائرات القاذفة غير المرئية ذريعة لسحق الحركة الإصلاحية. ولكن الخطر الرئيس لضربة عسكرية ضخمة هو أنها ستزيل جدل التعلم الإيراني المحلي الجماعي، وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى العقلية المخيفة المتشائمة لأواخر سبعينيات القرن الماضي.
* أستاذ في علم الاجتماع، حائز على مركز جيمس بي غورتر في دراسات العالم الإسلامي من كلية ليك فورست بشيكاغو (إيلينوي)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2095 - السبت 31 مايو 2008م الموافق 25 جمادى الأولى 1429هـ