التنافس على أشده على شاشات التلفاز، الجميع يتسابق في كل المجالات، في الغناء في الرقص، الطبخ، المواهب، المعلومات. أناس عاديون أصبحوا مشاهير من بعد اشتراكهم في برامج نقلة صور وتفاصيل حياة بعضهم عبر القارات ضمن حلقات برامج تبث عالميا وبلغات متنوعة، وجميع المتنافسين هدفهم دون استثناء، الشهرة الثروة وتحقيق المكاسب بأسرع وقت ممكن، حتى لو كلفتهم بضعت الآلاف بعضا من خصوصياتهم.
موضة برامج المسابقات في هذه الأيام على ما يبدو تتجه لتسابق حول من يستطيع أن يتخلى عن أسراره وأسرار أسرته والمقربين له، وخصوصياته وحرمات منزله وأهله، لحساب برنامج قد يراه بضعت ملايين مشاهد في منازلهم عبر القارات، مقابل ثروة قد تكون بسيطة وقد تصل للملايين، وحدود هتك الخصوصيات قد يصل لأي شي، حتى لأمور نفس المشاهد الذي يتابع البرنامج على شاشة تلفازه قد لا يحتمله ويرفضها جملة وتفصيلا.
إلا أن المتسابق الذي قبل شروط المنافسة مقابل الوصول لمبتغاه، قد يقبل بالتعري من بعض ملابسه أمام عدسة الكاميرا، وبأن تتطفل مقدمة البرنامج على خزانة ملابسة وغرفة نومه، أو ثلاجته في مطبخه، أو حتى على نظافة حمامه، وبأن تنتقده انتقادا لاذعا، قد لا يقبله من أقرب المقربين له، مقابل أن يفوز ببعض الملابس التي تختارها له المقدمة (ليكون على الموضة) بعد أن كان شخصا فاشلا في ترتيب مظهرة الخارجة أمام الناس، مما يجعله ( كارثة في ملابسة)، ويستوجب أن تقدم له معونة من قبل مختص أو مختصة، لترتيب خزانته التي قد يفقد منها الكثير في موجة التنظيف الذي تقوم بها مقدمة البرنامج والتي قد تصل لأن تقوم بإحراق وتمزيق جزء كبير من محتوياتها، والجائزة على قبول هذا المتسابق الراغب في الانتصار على كارثته في أناقته المعدومة، قطعتين أو ثلاث، قد تكون أكثر من الملابس التي قد يراها معدوا البرنامج تتوافق مع الموضة، بالإضافة لتسريحة شعر وبعض الشهرة، كون الحلقة قد تعبر المحيط لتصل من قارة لأخرى أثناء عرضها، ولا ننسى هنا حصول المتسابق على الكثير الكثير من هتك الخصوصيات.
لا يقتصر تعدي هذه البرامج اليوم على خصوصيات ملابسنا وغرف نومنا، بل إن الأوزان هدف مميز لها، فعلى الرغم من أن برامج التسابق في خسارة الوزن حققت الكثير من الفائدة لمن دخلوا ضمن مجموعتها، سواء من فقدان للوزن، أو من ثقافة في كيفية المحافظة على اللياقة البدنية الجيدة، أو حتى عن طرق العناية المناسبة للشخص بصحته العامة، إلا أن هذه البرامج فضحت خصوصيات المشتركين فيها، وأظهرت العديدين منهم بأنهم ضعفاء بطريقة مرضية ومضحكة أحيانا، كأن تظهر رغبتهم الشديدة بتناول علبة مثلجات، أو علبة بطاطس مقلية، فأظهرتهم وهم يبكون ويتألمون بسبب حالة قد تختلف أسباب وصول صاحبها إليها. وفي هذه البرامج التي لم تعد بنسخ أجنبية فقط بل إن النسخ العربية التي شارك بها متسابقون عرب نساء ورجال، الوزن الذي قد تتحفظ الكثير من النساء على ذكره بدقة أمام الآخرين، هو أول الأرقام التي تعرض بالخط العريض على الشاشة، طبعا مقاسات الملابس الضخمة والصور القبيحة لن تنجوا من عرضها على الملايين من الأعين المتلصصة التي تتابع البرنامج.
هذه النماذج التي ذكرناها لم تعد غريبة فهي تعرض منذ مدة علينا، حتى بتنا نعتاد رؤية سيدة قد تكون متزوجة وأم لأطفال، ومن عائلة محترمة تقبل بأن تتمايل بثوب اختارته له مقدمة البرنامج على أساس أنه يليق بها بعد أم صارحتها المقدمة بخطأ طريقة لبسها، فتقف هذه السيدة المسكين لتأخذ الإرشادات أمام الناس فنكاد جميعا نعرف ما عليها أن تقتني من ملابس في الأيام المقبلة.
أما الغريب والذي وصلنا منذ مدة قصيرة هي مسابقات يقبل المشاركين بها أن تنتهك حرمات أدق خصوصياتهم وخصوصيات أسرهم، بأسئلة لا تتورع عن التطاول على أي شيء في حياة هذا الشخص من عمله لعلاقاته مع أصدقائه، وصولا لأفكاره الخاصة، لمحادثاته مع زوجته، لتصرفاته الغريبة، لأي شيء يخطر بالبال من أمور قد لا يرغب أين منا أن يعرفها أحد عنه. وجرأته في الإجابة قد توصله لبضعت آلاف دولار أو أن تصل به كأقصى حد إلى المئة ألف دولار (الجائزة الكبرى)، التي قد تضمن له العزلة والتفكك عن أسرته لسنوات تلي هذه الحلقة بعد أن يكون فضح المستور، وشوه صورته وصورت من حوله في عيون الناس.
ولعل هذه المسابقات التي باتت تقبل بأن تصل لأي حد قد لا نتوقعه أحيانا، ستزيل حاجة هذه المنازل وحاجة هؤلاء المشاركين للستائر والحجب، التي يفترض أن تحمي خصوصية منازلهم وتفاصيل حياتهم من عيون بعض المتلصصين من العابرين بقرب نوافذهم، بعد أن قبلوا أن تستباح حرمات منازلهم لعيون الملايين عبر العالم.
العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ