العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ

«علاوة الغلاء» والحقيقة الضائعة

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انشغل الرأي العام في البحرين خلال الفترة الماضية بموضوع علاوة غلاء المعيشة التي قررت الحكومة صرفها على استحياء لهذا الشعب الفقير، بعد مطالبات نيابية شديدة من أجل ذر الرماد في العيون، وإعطاء ولو جزء بسيط للمواطنين من الأموال التي يذرها نفط هذا البلد دون معرفة إلى أين تذهب تلك الأموال الطائلة التي يحسدنا عليها العالم.

حسابات وتعقيدات وتدقيقات وملاحظات وفحص وترو تقوم به لجنة صرف علاوة الغلاء من أجل ماذا؟ من أجل معرفة هل رب الأسرة الفقيرة في هذا البلد يستحق علاوة الغلاء أم لا؟ وهل دخله أقل من 1500 دينار أم لا؟ وهل هو فقير ومحتاج أم لا؟ وهل هو ممن تضرروا من التضخم والغلاء الفاحش أم لا؟ وهل هو معيل لأسرة أم لا؟ وهل يملك سجلات وعقارات أم لا؟ وهل وهل وهل...

وفي نهاية كل تلك التعقيدات هل يستحق المواطن علاوة الغلاء؟ الجواب طبعا لا، حتى وإن أثبت استحقاقه لها من خلال كل تلك التعقيدات والمعايير والاشتراطات، فمازال المواطنون يسألون عن مصير تلك الفتاتة التي سقطت من فم الأسد ولم يجدونها لتهافت الآلاف عليها.

موازنة علاوة الغلاء (الأربعين مليون دينار) فتات بالنسبة إلى الملايين التي أدخلتها البحرين من ارتفاع أسعار صادرات النفط، ومع هذه الفتاتة الصغيرة التي ستعيش حالة من العجز مع تقدم الأيام (وليس السنين) يكابر عدد من المسئولين بشأن ذلك، ويزعمون أنه لا عجز في الموازنة، إلا أننا أيضا لا نزعم بل نؤكد أن العجز قادم لا محالة لهذه «الفتاتة» القليلة في حق الشعب الكريم.

بحسابات بسيطة لا تستعصي على طالب في الإعدادية يمكن أن نكتشف أن موازنة علاوة الغلاء ستصاب بالشلل الجزئي خلال الأشهر الستة الأولى، والكلي مع قرب اكتمال مدتيها (عام كامل)، فكل رب أسرة استطاع أن يجتاز كل تعقيدات ومعايير العلاوة فإنه سيستحق 600 دينار خلال عام موزعة على 12 شهرا بواقع 50 دينارا لكل شهر، وبالتالي فإن الـ40 مليونا ستغطي كم من أرباب الأسر البحرينية (40 مليونا قسمة 600 دينار = 66666 رب أسرة)، وإذا رجعنا إلى قوائم لجنة علاوة الغلاء فإن القائمة الأولى ضمت 9928 مستحقا، يستحقون سنويا من علاوة الغلاء 5 ملايين و956 ألفا و800 دينار.

بينما ستستنزف القائمة الثانية من علاوة الغلاء البالغ عددها نحو 52 ألف مستحق 31 مليونا و200 ألف دينار بنسبة 78 في المئة من إجمالي الموازنة، وبالتالي فإن القائمة الأولى والثانية (61328 مستحقا للعلاوة) ستستنزف من إجمالي الموازنة (الـ40 مليون دينار) 37 مليونا و156 ألفا و800 دينار بنسبة 93 في المئة، ليبقى منها ما يعادل مليونين و843 ألفا و200 دينار وهو ما يغطي نحو 4738 رب أسرة فقط.

مع كل ذلك، فاللجنة وحتى هذه اللحظة مازالت تراجع قوائم المسجلين من خارج قوائمها الذين بلغوا حتى الآن أكثر من 37 ألف مسجل قد يستحقون العلاء كلهم أو بعضهم، إلا انه في النهاية وفي ظل حرمان الكثيرين من المستحقين وبالتحديد موظفين في الحكومة مستحقين للعلاوة فإن الباقي من الموازنة لن يصمد كثيرا، باعتراف رئيسة اللجنة وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي.

المكابرة من البعض بشأن العجز في موازنة علاوة الغلاء دليل على جهل لوقائع آليات الصرف، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحرك فعلي قبل أن تحدث ثورة شعبية ضد هذه العلاوة التي أصبحت كابوسا يؤرّق كل مواطن.

في الكويت صرفت الحكومة لكل مواطنيها علاوة غلاء قدرها 120 دينارا من دون أي تعقيدات ومن دون أية آليات ومن دون أي مراكز تسجيل، بينما نحن في مملكة الحكومة الإلكترونية لم نستطع صرف 50 دينارا لمستحقيها القليلين.

علاوة الغلاء كشفت عن قصور حقيقي لدى الحكومة التي زعمت أنها انتقلت إلى عصر الربط الإلكتروني، وعجزت عن صرف 50 دينارا لموظفيها الذين عملوا لديها سنوات طويلة، وهي تعلم عنهم أكثر مما يعلم الموظفون لديها عن أنفسهم، ومع ذلك حرم الكثيرون من هذه العلاوة حتى الآن لتكشف لنا هذه العلاوة حقيقة الحكومة الضائعة.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً