العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ

اليوشع يحذر من تآكل الطبقة الوسطى

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال ندوة الجمعية الأهلية لدعم التعليم والتدريب بجمعية المهندسين، وفي رده على سؤال بشأن أسباب تقلص الطبقة الوسطى في البحرين، قال أحمد اليوشع، كما ورد في صحيفة «الأيام»: «إن ذلك يعود إلى إشكالية الأجور، وإلى اعتماد هيكلية اقتصادية تقوم على جلب العمالة الرخيصة، لافتا إلى أننا في البحرين في ورطة بسبب هذه العمالة الكبيرة الرخيصة التي تدفع نحو الثبات وتقف عائقا دون توسع الطبقة الوسطى، وهو ما تعانيه دول الخليج الأخرى».

في البدء لابد لنا من التأكيد أن تآكل الطبقة الوسطى لم تعد ظاهرة بحرينية او حتى خليجية، بل أصبحت حالة عالمية تعاني منها حتى المجتمعات الغربية التي أفرزتها. هذا ما يؤكده مقال أحمد أبوزيد في مجلة «العربي» العدد 584،http://www.ejtemay.com/showthread.php?t=4663 إذ يقول بشأن انهيار الطبقة الوسطى عموما: «تتعرض الطبقة الوسطى في كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية لعدد كبير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تهدد وجود تلك الطبقة وتنذر باحتمال تآكلها وتراجعها إن لم يكن اختفاؤها تماما. بعد أن كانت الطبقة الوسطى تعتبر هي العمود الفقري في بناء المجتمع الحديث بفضل الدور الاقتصادي الذي تقوم به والقيم الاجتماعية والأخلاقية التي تتمسك بها».

المسألة ذاتها يتناولها الباحث الاقتصادي المصري محمود عبدالفضيل حين يقارن بين ما تعاني منه الطبقة العربية الوسطى ونظيرتها العالمية، فنجده يقول: «أما موضوع الطبقة الوسطى فهو يطرح أيضا في المناقشات ليس في مصر وحدها وإنما هناك جدل كبير حولها في العالم كله. ولكن في المنطقة العربية ومصر سنجد أن الحديث مستمر عن تآكل الطبقة الوسطى، وتأكل الطبقة لا يعنى أن حجمها المطلق أصبح قليلا إذ إن النمو الديموغرافي لها مازال موجودا. وإنما المقصود بالتآكل أن وضعها النسبي في خريطة توزيع الدخل أصبح يتقلص... وفيما يتعلق بتوزيع الدخل سنجد أنه في الربع قرن الأخير قد ساء بشكل كبير جدا، ساء بمعنى أن النصيب النسبي لـ (20 في المئة) الذين في قمة التوزيع تزايد على حساب الفئات الوسطى والدنيا. وهذا ملموس بشكل واضح في بعض الإحصاءات رغم عدم دقتها إذ نجد أن 20 في المئة من المجتمع يسيطرون تقريبا على 45 في المئة من القوة الشرائية، وأن 80 في المئة من المجتمع يسيطر على 55 في المئة من القوة الشرائية».

في هذا الإطار، وفي نطاق رؤية سيوسيو- اقتصادية - سياسية للطبقة الوسطى، يمكن القول إنها كطبقة تمارس دورا مهما في الاستقرار العام الذي ينشده أي مجتمع. إنها صمام الأمان لأي مجتمع. مصدر هذا الدور الذي تتمتع به الطبقة الوسطى الموقع الذي تحتل هذه الطبقة في الهرم الاجتماعي. فهي تتبوأ مكان الشريحة السميكة التي يتماسك من خلالها الهرم الاجتماعي. ومن هنا فكلما اتسع حجم ذلك الحيز وترافق ذلك مع استقرار أوضاع تلك الطبقة، كلما ازدادت قاعدة ذلك الهرم الاجتماعي رسوخا الأمر الذي من شأنه تعزيز استقرار ذلك المجتمع المعني، وتطور أوضاعه على الصعد كافة: السياسية، والاجتماعية والاقتصادية.

وهنا لابد لنا من التأكيد أن الفقر ليس مشكلة بحد بذاته، والفقراء بذاتهم ليسوا مشكلة، عندما يكون مثل هذا الوضع هو الحالة التي وجد المجتمع عليها من الأساس، وما أكثر الدول التي يسكنها الفقر ويُنجب فيها الفقراء المزيد من الفقراء، ولكنها لا تعاني من مشكلات تتعلق بالاستقرار الاجتماعي أو السياسي. ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا اننا نروج للفقر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن عندما يحدث التغير في الأوضاع، ويكون هذا التغير حادا ومستمرا لفترة طويلة، وفي صفوف الطبقة الوسطى، على اختلاف درجاتها، حينها تنقلب الأوضاع، وينحدر معظم أفراد هذه الطبقة إلى المرتبة الدنيا في المجتمع. يصبح هذا المجتمع مهزوزا وأكثر عرضة للتشوهات الاجتماعية وما تفرزه هذه من هزات سياسية محتملة.

وعندما نقول ان الفقر ليس هو المشكلة، نقصد من ذلك أن من يولد في بيئة فقيرة لا يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، شأنه في ذلك شأن من ولد وهو أعمى فلم ينعم بالبصر في حياته، ومن ثم فهو لا يفقد أي شيء. لكن المشكلة تبدأ عندما يفقد البصير نظره. شأنه في ذلك شأن انحدار أحد أفراد الطبقة الوسطى إلى طبقة أدنى، حينها يبرز خلل حقيقي في المجتمع يجب أن ينظر في أمره من أجل إعادة الهرم إلى وضعه الطبيعي، هذا إذا كانت الغاية هي تحقيق الاستقرار طويل المدى.

ولكيلا يفهم الأمر على نحو خاطئ، فليس القصد هنا الترويح للفقر لكننا نحذر من الإفقار فهو المشكلة. فالتحول من طبقة إلى طبقة أدنى، أو بالأحرى التحول من حالة الازدهار إلى حالة الفاقة أو ما هو قريب منها، وانحدار الأفراد من مرتبة اجتماعية معينة إلى مرتبة أدنى هو الذي يزرع بذرة المشكلة. هذا التحول الذي يؤدي بشكل تدريجي إلى تآكل الطبقة الوسطى هو ناقوس الخطر الذي ينذر بالعواصف الاجتماعية التي غالبا ما يستتبعها أزمات سياسية تقود إلى نهايات خطرة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً