العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ

صراع الإرادات بين «Badui» والمعامير!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

«لم تكن أكبر كارثة صحية واجهت الصين تتمثل في زلزال سيشوان المخيف الذي وقع هذا الشهر، وإنما الكارثة الصينية هي في الهواء» بهذه العبارة الملفتة افتتح الكاتب الصحافي الأميركي نيكولاس كريستوف مقالته المنشورة في صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية بشأن أزمة قرية «Badui» الصينية التي لطالما عرفت في الصين باسم «قرية الأغبياء» بسبب الانتشار الكثيف للأمراض العقلية والتشوهات الجسدية وأمراض الطفح الجلدي بين أهل هذه القرية.

يورد كريستوف في مقاله معلومة إحصائية مهمة يشير من خلالها إلى أنه وإن كان الزلزال تسبب في مصرع نحو 60 ألف فرد على الأقل، فإن التلوث الجوي في الصين يتسبب بمقتل 300 ألف إلى 400 ألف طفل سنويا، حسبما أعلنت المنظمات والوكالات الصينية والعالمية، فالصين تزخر باحتوائها على ما أسماها الكاتب بـ «قرى السرطان» نتيجة التلوث الذي تتسبب به المصانع. كما يذكر أن تركزات التلوث الجوي في سماء بكين تفوق بأربعة أضعاف معدل ما هو مصنف من مستوى آمن لدى «منظمة الصحة العالمية»!

وبالعودة إلى موضوع قرية «Badui» الصينية فقد أشار المؤلف إلى أن القاطنين يتهمون مصنعا للمخصبات يقع بالقرب من القرية وهو يلقي النفايات الكيميائية في مياه النهر بالتسبب في هذه الأزمة، وينقل ما قالته زو جنجر التي تقيم في هذه القرية «حتى ولو كنت خائفا، فإنه يجب عليك أن تشرب»، كما قال كبير القرية لاي يونتانغ: «رغم كوننا قلقين من المواد الكيميائية إلا أنه ينبغي علينا أن نأكل آخر المطاف»!

ويشير الكاتب إلى أنه وعلى رغم وصول التقدم الاقتصادي إلى هذه القرية المنكوبة بيئيا فإنها وعلى رغم كل ذلك لاتزال فقيرة، إذ يبلغ متوسط الدخل الفردي سنويا نحو 100 دولار أميركي، كما أنه وعلى رغم كون تشييد الطريق ساهم في زيادة الفرص الاقتصادية، ومن النشاط الدؤوب لأبناء القرية في بيع الأسماك المصطادة من النهر الأصفر في القرية إلى الأسواق، فإنه يكفيك أن تقوم بزيارة خاطفة لإحدى برك هذه القرية لتستقبل بجثة سمكة طافية!

ويلمح كريستوف إلى أنه «إن كان بإمكان الكاليفورنيين أن يجدوا أحذية صينية في مخازنهم، فإنه وبالمثل بإمكانهم أن يجدوا غيوما صينية ملوثة في سمائهم»، وهو ما يدلل على استحالة أن تكون أزمات التلوث البيئية بمثابة أزمات منحصرة إقليميا ومناطقيا، وإنما هي أزمات عالمية واسعة الانتشار، ولا يمكن أن يعرقل سيرها المدمر أدنى فاصل جغرافي أو ثقافي أو سياسي أو اقتصادي، فالجميع شركاء في ما لو بدا أنه وليمة جماعية للموت!

وقد ذكرني وأعادني موضوع القرية الصينية «Badui» المنكوبة بيئيا إلى قرية «المعامير» البحرينية اللتين تبدوان رغم فارق الأميال العديدة بينها شريكتين إنسانيا في النكبة البيئية والإنسانية ذاتها، إذ إن هنالك الكثير مما يجمع بين قرية بحرينية منكوبة وقرية صينية منكوبة، وإن كانت الأخيرة تتفضل على الأخرى بأنه تم تدويل قضيتها وأوليت اهتماما متزايدا من قبل الحكومة الصينية للتحرك بشأن أزمتها، في حين تخلى الجميع عن «المعامير» وهي المبتلاة والموعودة بباقات السرطان والإجهاض والتشوه العقلي والجسدي، فتكفيك جولة واحدة فقط لتشاهد بناظريك ما أرمي إليه، هذا إن لم يكن لزاما عمل دراسات دورية لحصر عدد الضحايا من أهل المعامير سنويا من المصابين بالأمراض السرطانية والالتهابات الجلدية والإعاقات العقلية وعدد حالات الإجهاض!

وكما في «Badui» الصينية حيث يكابد أهلها العاجزون مشاق التلوث الكيماوي بالصبر وبإرادة الحياة وإن كان قدرهم أن يرتشفوا الماء ملوثا بلعاب اللعنة ويأكلوا السمك كما لو أنهم بانتظار تناسل المزيد من الموت والتشوه حينما يكتسب العدم صفة الحياة والحيوية، وبالمثل حال أهل المعامير الذين أعرف الكثير منهم ممن تمسك بإرادة الحياة وبمكان ولادته ونشأته، حيث المرض والموت في رحاب قريتهم الوادعة أحب إليهم بكثير من مغادرتها والبكاء على مشارفها الساحلية، وهي التي سماها ابنها المبدع محمد جواد بـ «أرض الموت»، وتغنى بذلك في إحدى الأماسي الحزينة من دون أن تطرب وتطرف قلوب المسئولين الميتة التي لا تعرف فرقا بين السياسة والموسيقى، ولا تقيم تمايزا بين الضحك والبكاء، ناهيك من الحصار الاقتصادي المعيشي الذي يعاني منه المواطن البحريني من صعوبات السكن والإنفاق والإنجاب التي تجبر ابن المعامير وغيره على الموت واقفا في قريته!

وإن كانت ولاية كاليفورنيا الأميركية موعودة بغيوم صينية ملوثة فإن مصاب المعامير معروض بحكم جميع العوامل الطبيعية للانتشار والتداول بين أبناء المملكة، أفليست البحرين «عاصمة السرطان» بامتياز في الخليج العربي؟! هل تهم المسئولين صحة المواطن البحريني؟ وهل يطبقون مبدأ «الوقاية خير من العلاج» ضمن هذا السياق؟!

ما كان دوركم تجاه التحذيرات المدروسة التي قدمها الباحث البيئي الكويتي الدكتور مبارك العجمي خلال زيارته البحرين؟!

هل بحثتموها وناقشتموها ودرستموها بجدية لاتخاذ تدابير جدية حيالها، أم أنكم سفهتموها وانشغلتم بسلطاتكم وصلاحياتكم الصورية في إصدار التصريحات والبيانات المتملقة بغية تحسين وضعكم الوظيفي، ومعها «البروشرات» الكربوهيدراتية على رغم أن مبارك العجمي كان يصر إصرارا تطهريا عجيبا على عدم إدخال السياسة في موضوع البيئة، وهو ما قد يتنافى مع معطيات الواقع التي تشير إلى أن السياسة في البحرين بحكم الحقيقة فاتحة جميع المواضيع، ولا يمكن طردها بالمعوذات؟!

ماذا لو تبنى نشطاء حقوق الإنسان أو حتى نشطاء حقوق «الغونغو» توحيد جهودهم جميعا في سبيل إثارة موضوع «المعامير» وتدويل قضيتها التي لا أظن أن إثارتها تهدد الاستقرار العام أكثر مما يهدد هذا الاستقرار صراع المصالح وغيرها من أعراض السرطنة الإدارية في هذه البلاد! ألن تعانق حينها قرية «Badui» الصينية قرية المعامير البحرينية عناقا حارا، وإن كانتا لا تعرفان عن بعضهما أي شيء، ولم تريا بعضهما من قبل؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً