تحدث خطيب جامع الإمام المنتظر في قرية دار كليب الشيخ حميد المبارك في خطبته أمس (الجمعة) عن أسباب القطيعة بين المسلمين والغرب، وقال المبارك: «ينظر الغرب إلى المسلمين على أنهم أمة متعصبة ترفض التفاعل الحضاري»، ولفت إلى أن «هذه النظرة تستند إلى مظاهر الرفض للنموذج الغربي والتي تعبر عنها الخطابات والكتابات المختلفة، وكذلك ما يسمونه بالكانتونات الإسلامية داخل المجتمعات الغربية، حيث تتكتل الجاليات الإسلامية في الغرب ضمن سياجات رافضة للتفاعل التام مع الثقافة الغربية، ولكن تلك النظرة النمطية للغرب تجاه المسلمين يقابلها ما نلاحظه في تاريخ الإسلام من انفتاح واسع على الحضارات الأخرى، وغير خافية عصور الترجمة التي سمحت بدخول العلوم المترجمة عن اليونان والهند والفرس إلى مناهج الحوزات والمعاهد الدينية الإسلامية، نظير علم المنطق ومساحة واسعة من الفلسفة وعلم الأخلاق».
وأوضح المبارك أن «المشكلة ليست في تصلب المكون الثقافي الإسلامي كما يرى الآخر، ولكن القطيعة في نظري نشأت نتيجة لأحداث تاريخية متصلة أوجدت حالة من الريبة عند المسلمين تجاه الغرب، فقد بدأت الحروب الصليبية منذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ولم تضع أوزارها إلا أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، تلك الحروب التي كانت تدعمها الفتاوى البابوية اقترنت بأعمال وحشية في غاية القسوة، فقد ذكر ابن الأثير أن الفرنجة أعملوا السيف في بلاد المسلمين، وقتلوا في بعض هجماتهم على الشام 100 ألف نسمة خلال ثلاثة أيام، وجاء في بعض المصادر التاريخية الغربية «راؤول داين كاين» أن بعض الصليبيين كان يتغذى من جثث المسلمين فكانوا يطبخون البالغين في الطناجر ويثبتوا الأطفال في الأسياخ ويشوونها، وقد حفرت الحروب الصليبية جروح عميقة في ذاكرة المسلمين، وإن كنت لا أبرأ العثمانيين من بعض الأخطاء التاريخية التي ارتكبوها».
وتابع المبارك حديثه «ولكننا نجد أن العرب والمسلمين بدأوا يتعافون من تراكمات الحروب الصليبية حيث بدأ انفتاح لا سابقة له على الغرب عند المسلمين وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ويظهر هذا الانفتاح في الخطاب القومي العربي والخطاب الديني على حد سواء. ولكن هذا الانفتاح وتلك النسبة من الثقة بالغرب تراجعت إلى حد كبير بعد هجوم الاستعمار وما أعقبه من تشكل الدولة اليهودية وحماية الغرب لها بشكل مطلق»، وأشار إلى أن «الاستعمار جاء بشعارات برّاقة تعكس وعودا بالحرية والمساواة والرفاه، ولكنه على الأرض فعل عكس ما وعد به وغير خافية تلك المجازر الرهيبة التي قام بها المستعمر في الجزائر وليبيا وغيرها من دول المسلمين».
وقال المبارك: «عندما نقرأ تاريخ الاستعمار في دول الخليج مثلا نجد أنه طوّر أكثر من أي شيء قطاعين رئيسيين، القطاع الأول هو التبشير بالمسيحية ضمن مؤسسات تبشيرية معلنة وضمن أجندة غير معلنة، والقطاع الثاني هو النفط، لماذا؟، لأن الغرب يحتاج إلى هذه الطاقة، وأعقب الاستعمار المرحلة الثالثة والتي راكمت عدم الثقة في الغرب وهي المرحلة التي يسمونها الحرب العادلة، ويمكن أن نتذكر موقفين للمتصدر للمحور الغربي اليوم وهو الرئيس الأميركي جورج بوش عندما صرح عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول بنقل المعركة إلى أرض العدو، ويقصد بأرض العدو هي بلاد العرب والمسلمين، ويعني ذلك أنه اعتبر كل بلاد الإسلام بلاد حرب، ولذلك سمحت أميركا بتشكل قوي لتنظيم القاعدة في العراق، لتقوم بضربها على أرض العراق، وعلى حساب الشعب العراقي وخيراته، ومصالح العرب والمسلمين، والموقف الآخر لبوش قبل أيام قلائل عندما صرح أمام الكنيست الإسرائيلي بأنه يدعم الدولة اليهودية الخالصة، ودعم الدولة الدينية أو القائمة على أساس الهوية الدينية هو منتج غربي خاص للتصدير، فهم لا يقبلونه في بلادهم، وكذا لا يقبلون دولة إسلامية قائمة على أساس الهوية الإسلامية، ومع ذلك هم يدعمون دولة يهودية قائمة على أساس الهوية اليهودية وذلك لأغراض دينية يمينية متطرفة ولأغرض سياسية ظالمة».
وخلص المبارك في خطبته إلى أن «موانع التفاعل الحضاري بين المسلمين والغرب ليس منشأها التركيبة الثقافية الإسلامية كما يروجون وإلا فكيف حصل ذلك التفاعل القوي في القرون الإسلامية الأولى»، ورأى أن «الموانع هي نتيجة أخطاء تاريخية وقعت وخصوصا من قبل المعسكر الغربي وتواصلت وأدت إلى تراكم أوجد هوة نفسية عميقة لم يكفر عنها الغربيون بل واصلوها بصور مختلفة، الحل إذا يجب أن ينطلق من الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه، وليس بالإصرار والمكابرة عليه».
العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ