كثيرا ما يقال لنا إن الحملات الانتخابية الأميركية يجب أن يكون محورها حول «القضايا». بيد أن المقترعين لن يُشرّعوا القوانين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني! إنهم سينتخبون رئيسا من المحتمل جدا أن يواجه مخاطر غير متوقعة أو فرصا على مدى السنوات الأربع المقبلة. ويحتاج المقترعون لمعرفة كيف يمكن للمرشحين أن يستجيبوا لكلا التحديين. يجب أن يعرفوا ما هي شخصية المرشح وبالتالي التنبؤ بكيفية قيام الرئيس المنتخب بواجباته.
كيف يمكن أن نحكم على شخصية المرشح الرئاسية؟ الأمانة والأخلاق الحميدة هما بداية جيدة بالتوافق مع توافر الإرادة لعمل ما هو صحيح بدلا من عمل ما هو مقبول جماهيريا. يضاف إلى ذلك أن على المرشح أن لا يخلط بين المظاهر والحقيقة بالنسبة لشخصيته. يجب على المرشّح أن يكون بالفعل حائزا على المزايا التي تحتاج إليها الرئاسة.
ربما يبدو أن ماكين يملك ميزة بالنسبة لموضوع الشخصية. إن تجربته في فيتنام لم ينتقص منها ما أورده ناقدوه ذوو الصدقية. لقد كان بالفعل بطل حرب، وإن شيئا كثيرا من ذلك الماضي يشير إلى كيفية نظر معظم الناخبين إليه.
في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن ماكين أظهر شجاعة في معركته الانتخابية. فقد أعلن «إنه ليس من واجب الحكومة أن تنقذ وأن تكافئ أولئك الذين يتصرفون بطريقة غير مسئولة، سواء كانوا بنوكا كبيرة أو مقترضين صغار».
لقد زار ماكين الفقراء ولم يعد بأن رئاسته ستجعلهم بقدرة قادر أغنياء. لقد واظب على تأييد حرب العراق، كما وعد بتخفيض الإنفاق. في العام 2008، فإن الموقفين كليهما يتعارضان مع رغبات غالبية الأميركيين.
بيد أن ماكين أظهر أخيرا قصورا بالنسبة لمسألة الشخصية. إنه الآن يقترح إنقاذ المستدينين ويدعو إلى توقيف جني ضريبة البنزين في الصيف. ما هو الاحتقار الذي لا بد أن يشعر به رجل تحمّل كل لك التعذيب للمقترعين الذين لا يستطيعون أن يتحملوا قليلا من الألم على مضخة البنزين. ومع ذلك، فإنه يشعر بألمهم خشية من الإخفاق في شهر نوفمبر.
باراك أوباما هو قضية أكثر تعقيدا، جزئيا، بسبب أنه غير معروف. إنه لم يُمتحن في شئون مهمة. صحيح أن أوباما يبدو على استعداد للاستماع إلى الناس الذين يخالفونه في الرأي. وقد رفض شيطنة منافسيه وبالتالي وضع جانبا مزية كان يمكن أن تساهم في حملته. أوباما أيضا يبدو رجلا صادقا وأمينا؛ رجلٌ يمكنك احترامه حتى وإن لم تكن متفقا مع كل شيء يقوله أو يفعله.
وعلى رغم كل ذلك، فإن قدرات أوباما البلاغية العظيمة كانت دائما تلقي بظلالها على شخصيته. هل هو بالفعل ما يبدو أنه هو، أو ما يود كل إنسان أن يكون عليه؟ ربما أنه كان مجرد شخص أفضل في انتحال الإخلاص.
كيف يمكننا الحكم على شخصية مرشح رئاسي؟
إن المصاعب التي واجهها أوباما في الانتخابات التمهيدية لم ترفع من شأن شخصيته. فقد حاول إرضاء المقترعين في ولايات تعاني الركود، وليس أقل من ذلك في موقفه تجاه الحمائية. والذي يبدو أن مستشاره الاقتصادي قد أبلغ المسئولين الكنديين بإهمال أقوال أوباما في ما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة لشمال أميركا.
رجل الدين رايت هو الأهم بالنسبة لمسألة الشخصية، وليس فقط على حساب أوباما. وعندما نعود إلى خطاب فيلادلفيا، فإن عدم رغبة أوباما في الافتراق عن قسيسه يمكن أن يلقي نورا على شخصيته. فمن الأمور البديهية أن أسهل شيء بالنسبة لأوباما كان ببساطة شجب رايت وآرائه.
لقد حاول أوباما أن يشجب الأقوال بينما رفض التخلي عن قسيسه. ربما كان أوباما يرفض التضحية بصديق في لحظة هو في أشد الحاجة إليها، حتى وإن لم يكن ذلك الصديق ممن يمكن الدفاع عنه وكان كل شيء يتوقف على تلك اللحظة. يستطيع المرء أن يحترم هذا الموقف والآن لا يبدو رايت بالشخص الذي يمكن لأي صديق أن يدافع عنه.
وقد أثار رايت أيضا مسألة مقلقة بشأن شخصية أوباما. لماذا بقي السيناتور أوباما وعائلته مع كنيسة رايت وأيّدوها لتلك المدة الطويلة؟ ولأنه بقي كذلك، كان من الصعب الاعتقاد بأن أوباما كان غير مؤيد لراديكالية رايت. ولكن من كان يعتقد أن أوباما الذي أصبحنا نعرف لن يبدي عدم الرضى عن رايت؟
إن قسيسه قد خلق مشكلة تتعلق بشخصية أوباما بطرق لم يُجب عليها السيناتور. ويشعر المرء الآن أن السؤال لا يمكن الإجابة عليه بشكل قاطع يتجاوز الشك.
الشخصية قد لا تكون القضية الوحيدة في شهر نوفمبر. وقد يمكن إنقاذ أوباما إذا ما وقعت أزمة اقتصادية، أو إذا ما تم كشف النقاب عن معلومات تُسيء إلى سلوك ماكين بشكل موثوق. وربما يجد أوباما وسيلة يخرج منها من أزمة رايت، بحيث تعيد سمعته الجيدة مع المقترعين. ولكن في المرحلة الحالية تم توجيه سؤال يتعلق بالشخصية بعد وقت طويل ما كان يمكن الإجابة عليها سابقا.
أكثر من عدد قليل من المقترعين - وليس جميعهم من الليبراليين - يودون الإيمان بشخصية أوباما إن لم يكن ببرنامجه. لقد أصاب أوباما أولئك الناس بخيبة الأمل. إن خيبة أملهم قد تؤدي إلى خيبة أمل الديمقراطيين عندما يجيء شهر نوفمبر.
*مدير مركز الحكومة التمثيلية في معهد كيتو بواشنطن، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ