يحصل التغيير أحيانا بوتيرة أسرع مما يستطيع الناس فهمها. وهذا بالضبط هو الحال مع الوقائع السياسية المتغيرة بسرعة في واشنطن بشأن إيران.
سيقود أميركا، خلال أقل من ثلاثين يوما رئيس جعل من الحوار مع إيران وعدا في حملته، وقد فاز رغم ذلك.
وقد يكون ما يثير الدهشة أكثر أن واحدة من أقوى مجموعات التأثير في واشنطن فشلت، في وسط سنة انتخابية، في إقناع الكونغرس الأميركي بالموافقة على قرار ينادي بمحاصرة إيران بحريا، رغم أن القرار كان برعاية أكثر من 250 عضوا من المجلس.
لم يعد الجدل في واشنطن حول ما إذا كان يتوجب التفاوض مع إيران، وإنما كيف ومتى ووفق أي تتابع يجب أن يحصل هذا التفاوض. ولكن هذا لا يعني أن المحادثات ستحصل أو أنها ستنجح. ويعود هذا جزئيا لسمة لا تتغير للخريطة السياسية في واشنطن، وهو الاعتماد على العقوبات الاقتصادية بهدف الظهور بمظهر القوي الصلب للحصول على المزيد من النفوذ.
سعى الرئيس المنتخب أوباما، الذي ذكّر اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشئون العامة في فترة مبكرة من هذه السنة أنه يأخد موقفا ثابتا فيما يتعلق بمناشدته لإجراء مفاوضات مع إيران ووعوده بالتخلص من «الشروط المسبقة التي تفشل الذات»، سعى لموازنة موقفه المنادي للحوار من خلال تبني شهية قوية لمزيد من العقوبات الاقتصادية الإضافية ضد إيران.
عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، كان الراعي المشارك الأصلي لقانون عام 2008 لعقوبات رئيسية على إيران ومساءلة وحجب استثمار عنها، الأمر الذي كان سيقوّي العقوبات القائمة ويمهد الطريق لمزيد من نشاطات حجب الاستثمار. ناقش أوباما يومها أن العقوبات تشكل جزءا لا يتجزأ من أية استراتيجية دبلوماسية. «بالإضافة إلى جهد شجاع مغامر ومباشر يعتمد على المبادئ، يتوجب علينا أن نستمر في زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران» كما صرح أوباما. وقد دفع بعض مستشاري أوباما ذلك خطوة إضافية وناقشوا بأن العصي، أي العقوبات، يجب أن تأتي أولا في أي توجه من العصي والجزرات حيال إيران.
أوباما على حق، بالطبع، وبشكل كامل من حيث أن أي توجه ناجح تجاه إيران يجب أن ينطوي على خليط من الحوافز والمثبطات. يمكن للعقوبات نظريا أن توفر للولايات المتحدة نفوذا اتجاه إيران. إلا أن المشكلة مع هذا الاتجاه في التفكير هي أنه يفشل في إدراك أن العقوبات القائمة حاليا تعطي الولايات المتحدة الآن نفوذا.
إلا أنه لا يمكن استخدام هذا النفوذ إلا في مضمون المفاوضات. يمكن للعقوبات أن تلعب دورا حاسما في عملية تفاوضية بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن هذا في حال كانت واشنطن مستعدة لأن تستغني عنها مقابل تغيير هام في سلوك إيران.
هذا الاستعداد غير موجود حتى الآن في واشنطن. كان تعريف «نفوذ» في قاموس إدارة الرئيس بوش هو قدرة الإنسان على الحصول على شيء مقابل لا شيء. وقد فشل هذا التوجه بوضوح، وهو لا يصف المفاوضات، وإنما يصف تهديدات وإنذارات.
لا تستطيع الحصول على شيء في عملية تفاوضية إلا مقابل شيء. بالطبع، ليس التهديد أو فرض تهديدات جديدة هو ما سيغير السلوك الإيراني، وإنما العرض برفع العقوبات الحالية. وهنا يكمن مصدر أميركا الذي لم يستخدم بعد من النفوذ تجاه إيران.
النقطة المحيرة الحاسمة بالطبع، هي أنه لا يمكن تحقيق هذا النفوذ إلا إذا وجدت واشنطن وطهران طريقهما إلى طاولة المفاوضات. ولهذا السبب يمكن أن تكون النزعة لفرض عقوبات جديدة قبل أن تبدأ المحادثات مدمرة لأجندة أوباما: لن يؤدي فرض عقوبات جديدة على إيران، بغض النظر عما إذا كانت من قبل الكونغرس أو أوامر إدارية من قبل الرئيس، إلا إلى الحد من احتمالات الدبلوماسية عن طريق تسميم الجو وزيادة انعدام الثقة بشكل إضافي بين العاصمتين، الأمر الذي يُفشل بدوره قدرات أميركا على استخدام مصدرها للقوة المضاعفة تجاه إيران من حيث المبدأ.
والأمر نفسه ينطبق بالطبع على إيران: أي جهد من قبل طهران لتكثيف جهودها لإفشال سياسات واشنطن في المنطقة كوسيلة للحصول على نفوذ قبل المفاوضات سوف يؤدي فقط إلى أن تصبح هذه المحادثات أقل احتمالية.
وحتى يتسنى لأوباما النجاح بأجندته المساندة للدبلوماسية، يتوجب عليه ألا يتجنب فقط المغالطة القائلة بأنه ليس لواشنطن نفوذ على إيران وأن عليه الاعتراف بقيمة العرض لرفع العقوبات القائمة مقابل تغييرات في السياسة الإيرانية. يتوجب عليه كذلك أن يقاوم إغراءات إفشال السبيل إلى المفاوضات من خلال فرض عقوبات جديدة قبل بدء المحادثات، بما فيها مقاومة الضغوطات من قواعد انتخابية محلية كان حافزها للعقوبات تاريخيا هو منع اختراق أميركي إيراني من حيث المبدأ.
خليط الحوافز والمثبطات الذي سينجح في تحقيق المصالح الأميركية حيال إيران هو واحد تكون الدبلوماسية في وسطه وتكون العقوبات في المحيط الخارجي، وليس بالعكس.
* مؤلفة كتاب (التحالف المخادع: تعاملات «إسرائيل» السرية، وإيران والولايات المتحدة) والفائزة بالميدالية الفضية لجائزة كتاب آرثر روس للعلاقات الخارجية، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2300 - الإثنين 22 ديسمبر 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1429هـ