هذا ليس دفاعا عن شعب البنغال، ولكنه دفاعٌ عن أخلاق وعقل وأصالة شعب البحرين. فالحملة العنصرية التي قادتها كتلة «الأصالة» ضد الجالية البنغالية، أسفرت عن استجابةٍ حكوميةٍ للأسف الشديد... ولا ندري كيف ينسجم ذلك مع حصولنا على العضوية في مجلس حقوق الإنسان قبل أيام؟
ما قد تعتبره «الأصالة» إنجازا لها، هو في الحقيقة نكسةٌ أخلاقيةٌ كبرى، وخصوصا أنها كانت متورطة في الدفاع عن جريمة التجنيس السياسي الذي أنهك البلد، تحت شعار مضلل «المهاجرين والأنصار»، وكانت تطالب بإلحاح، بإسقاط رسوم العمل من العاملين الأجانب بالأوقاف، وأغلبهم من هذه الفئة التي تحوّلت في طرفة عين إلى عصابات من القتلة والشياطين.
للمرة الألف، هذا ليس دفاعا ولا تعاطفا مع أي مجرمٍ أو معتدٍ، من أية جنسية أو مذهب أو دين، لكن أيّ دين يجوّز إدانة جالية تعدادها 90 ألفا، بسبب ارتكاب أربعة أشخاص جرائم قتل خلال بضعة أعوام؟ ولماذا نعترض على الولايات المتحدة الأميركية لسوء معاملة المسلمين في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، ونعتبرها عنصرية، بينما نشرعن هذه الممارسة العنصرية ضد جاليةٍ جئنا بها من أحد بلدان العالم الإسلامي؟
لعن الله الفقر والجوع واستغلال البشر للبشر. السفير البنغالي أوضح أن معظم العمالة التي تأتي البحرين من طبقة اجتماعية فقيرة جدا، تقوم ببيع كلّ ما تملك كي تحصل على فرصة عمل، فهل يمكن أن نضع أنفسنا في موقع من يبيع كوخه أو أثاث بيته أو قطعة أرضه الزراعية، ليهاجر من أجل أن يؤمّن الطعام لعائلته؟
إن استجابة وزارة الداخلية ليس انتصارا للأصالة لتتباهى به، بل هو نكسةٌ أخلاقيةٌ للبحرين وشعبها، الذي مازلنا نتبجّح بأخلاقنا وطيبتنا وتسامحنا وبقية سلسلة الدعاوى الفارغة التي تُشبع غرورنا ونرجسيتنا. فالمسألة لم تقتصر على ردّة فعل غريزية غاضبة ومفهومة في الشارع، بل أصبح هناك من يرسم ويكتب ويفلسف هذه النزعة العنصرية البغيضة. وإذا كان ثمة إشكالاتٌ على هذه الجالية تعزّزها الأرقام، فلتكن ضمن خطة وطنية لمعالجة ملف العمالة الوافدة بشكل عام.
السفير المُحرَج من تصرّف أحد أبناء وطنه، ذكّرنا بأخطاء أبناء وطننا، الذين يسهمون في استقدام العمالة ورميها بالسوق مقابل 1200 دينار للتأشيرة، وترتفع هذه «الجزية» إلى 2000 دينار لتجديدها بعد عامين، يكون على العامل أن يؤمّن هذا المبلغ، إلى جانب مأكله وسكنه وطعام عائلته هناك. بعدها نتحدّث عن تورّط هؤلاء في سوق الدعارة وبيع الخمور والسرقة والنصب والاحتيال... ونغمض أعيننا عن أقبح جرائم العصر الحديث: الاتجار في البشر.
السفير ذكّر بقرار حكومته في العام 2004 «بمنع خروج النساء للعمل في الخارج نتيجة لتعرض الكثيرات منهن للاعتداءات الجنسية»، فمجتمعاتنا النفطية ليست كلها ملائكة، وليس كل المهاجرين الفقراء قتلة وشياطين. كما ذكّرنا السفير بأربعة عمال بنغاليين توفوا في العشرين يوما الأخيرة نتيجة العمل تحت أشعة الشمس، ولم يتحدّث عنهم أحد.
في الوقت الذي حزنّا على مقتل مواطننا، فإننا نشعر بالخجل والعار من تنامي هذه الحملة العنصرية، حتى خرج علينا مجلسٌ بلدي ليتحدّث عما تسببه هذه العمالة الملعونة «من تهديدٍ للبيئة والطبيعة الجمالية للمدينة»! ماذا أبقيتم للعنصريين العتاة الجفاة؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ