المادة رقم 149 من اللائحة الداخلية للمجلس النيابي تكشف سوء صياغة اللائحة الداخلية وعيوبها، لأنها غير مفهومة أو أنها تفهم بأكثر من طريقة وتؤدي لأكثر من معنى حالها كحال بعض المواد الأخرى في اللائحة ذاتها، على رغم ذلك لا يكون ذلك سببا حقيقيا وحافزا للحكومة أن تبادر بالتجاوب الإيجابي مع النواب في تغيير اللائحة، أتصور قد يكون اليوم هو الوقت المناسب لالتفات الحكومة لذلك بعد أن لسعت منها بإدانة أحد وزرائها وهي اليوم تعبر عن موقفها بأن قرار المجلس التشريعي بإدانة بن رجب ليس قانوني.
إذا كان النواب الذين أدانوا وزير شئون البلديات يستندون في صحة موقفهم القانوني على المادة رقم 149 من اللائحة الداخلية، والمبرؤون لموقف الوزير أيضا يستندون إلى المادة ذاتها، والحكومة اليوم هي الأخرى ترى بعدم قانونية القرار مستندة إلى المادة نفسها، السؤال كيف يمكن لمادة أن تقرأ بأكثر من طريقة إلا وتعبر على عدم دقة صياغتها.
في المقال الحالي سأستعرض وإياكم ثلاثة مواقف متباينة لثلاثة أطراف عن المادة نفسها ولكم الحكم في النهاية، الأطراف هي: الكتل المؤيدة لإدانة بن رجب (الأصالة، المنبر، بعض المستقلين)، الكتل المبرأة للوزير (كتلة الوفاق)، الحكومة، وفيما يلي المواقف المعلنة بحسب استنادهم إلى المادة:
كتلة الأصالة ماذا قالت؟ على لسان أحد قياديها النائب حمد المهندي في تقرير قانوني للجمعية عن إدانة الوزير في جلسة النواب الأخيرة «إن إجراءات صدور قرار الإدانة في حق الوزير بن رجب صحيح ونافذ ونهائي وسليم من الناحية القانونية ويتوافق تماما مع نص المادة 149 من اللائحة الداخلية للمجلس وهو تطبيق دقيق لأحكامها والقول بعدم دستوريتها باطلة».
أما عن مناقشة الاستجواب قبل التصويت عليه، فبين أن المادة 149 قد فرقت بين حالتين الأولى هي أن إذا انتهى التقرير إلى إدانة من وجه إليه الاستجواب ففي هذه الحالة يجب أن تجرى المناقشة بالمجلس قبل التصويت على قرار اللجنة أما الثانية وهي إذا انتهى تقرير اللجنة باقتراح الانتقال إلى جدول الأعمال (عدم الإدانة) فيبت المجلس في هذه الاقتراحات من دون مناقشة، ولكن في كلتا الحاتين لا تجوز المناقشة، وهو ما يتحمله ظاهر النص وهو التطبيق الدقيق لأحكام المادة 149.
كتلة الوفاق ماذا قالت في هذا الشأن؟ إن المادة 149 من اللائحة الداخلية تم التلاعب بها، وأن عددا كبيرا من المستشارين القانونيين أقروا بعدم وضوحها وتعدد الفهم فيها لأكثر من رأي، على رغم أن اللجنة المختصة باستجواب وزير البلديات لم تثبت إدانته في المحاور الخمسة وبذلك يكون الانتقال إلى جدول الأعمال إلا أن المجلس أدان الوزير في جميع المحاور في تصويت واحد، على حين تنص المادة 149 على ألا يكون التصويت بالإذانة إذا كان تقرير اللجنة ينتهي الإددانة الا بعد سماع اثنين من المؤيدين واثنين من المعارضين وعلى القول الذي يقول إن للمجلس أن يقرر خلاف ما تقول به اللجنة، علما بأن الوزير لم يكن موجودا ليدافع عن نفسه.
ماذا قالت الحكومة؟ أكد مجلس الوزراء في بيانه الأسبوعي لمجلس رئاسة الوزراء «ان الاجراءات التي اتخذها مجلس النواب وتمت بموجبها إدانة وزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب لا تتسق مع متطلبات ما نصت عليه اللائحة الداخلية للمجلس».
ماذا قال القانونيون في الأمر وعلى رأسهم المستشار القانوني حسين البحارنة «ان قرار اللجنة هو الفيصل في الامر ولا يجوز للمجلس أن يفتح أي نقاش إلا إذا كان تقرير اللجنة باتجاه الإدانة وهذا ما حصل عكسه في الجلسة».
ما قالته كتلة الوفاق ينسجم تماما مع رأي القانونيين ويطابق موقف الوزير البحارنة، كما يتفق تماما مع موقف الحكومة، وما قاله المهندي أيضا يوافق ما تذهب إليه الوفاق في آليات التصويت، لأن ما يعبر به من موقف الجمعية القانوني لقرار الإدانة جاء بخلاف ما يصرح به، فقد قال: «إذا انتهى التقرير إلى إدانة من وجه إليه الاستجواب ففي هذه الحالة يجب أن تجري المناقشة بالمجلس قبل التصويت على قرار اللجنة» ما حصل بأن التقرير لم يوجه إدانة إلى الوزير ومع ذلك لم يناقش التقريروتم التصويت على إدانة الوزير من عدم.
بعد الجدل القائم في صحة الموقف من عدمه، نتيجة عدم وضوح مواد اللائحة الداخلية التي يستند عليها المجلس في الكثير من مفاصله، هل يعتبر المجلس المتخذ للقرار سيد نفسه، بعد أن همش من وضع لائحته الداخلية بنفسه وبعد أن عجز من تعديلها وتمرير المعدلة؟ أم أن الحكومة الجهة المشرعة للائحة الداخلية أن تتحمل كل الإخفاقات وكل العثرات التي نجمت والتي ستنجم في المجلس جراء القص واللاصق في اللائحة والعجالة التي بنيت بها اللائحة؟ هل الحكومة ستباشر في التعاون مع النواب لإصلاح لائحتهم الداخلية بعد أن نالها ما نالها، أم ستظل تدافع عن صحة موقفها، ووضوح مواد اللائحة وسترمي الجمل بما حمل على النواب؟ إذا كان بإمكان الحكومة أن تجلب الاستشارات القانونية اليوم لتصحيح ما اقترفه النواب من سوء فهمهم للمادة 149، عليها أن توفر جهودها وأن تصرفها في إعادة سبك وبناء اللائحة الداخلية من جديد، الدساتير الموضوعة لا يمكن الحكم عليها إلا بعد اختبارها، والكثير من المواد لم تختبر بعد والتي تعرضت للاختبار تبين من خلالها بانتهاء صلاحيتها أو بأنها غير صالحة للتطبيق فورا، لعدم منطقيتها.
اللائحة الداخلية لمجلس النواب تسمح للحكومة ولجميع الأعضاء ولجميع الكتل أن يغنوا على ليلاهم، كما غنوا على إدانة بن رجب كأحد ضحايا المادة 149 من اللائحة الداخلية.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ