ليس أكبر من المصيبة والأزمة إلا توقع وانتظار مجيئها وأعراضها وعقابيلها، فكيف إذا ما كانت هذه الأزمة في حد ذاتها أزمة طائفية أو أزمة انشقاق وطني تستهدف بنتائجها التي ستكون على الأقل نتائج مدمرة وكارثة على النسيج الاجتماعي؟!
الواحد منا بات يشعر وكأنما هو أمام حرب أهلية باردة، أم أننا وكما أسلفنا في مقالاتنا السابقة بتنا أمام منظر وحشي للدولة وهي تأكل نفسها، تأكل أبناءها، وتهشم شموس أحلامها، وترش أقمار ألقها الوطني بأوحال العدم؟!
كيف إذا غاب عن مواجهة هذه الأزمة الممكنة والمحتملة العلماء والشيوخ والأساتذة والفقهاء و«المتفيهقين» أيضا؟!
أو بالأحرى إن كانوا هم العلماء والشيوخ وغيرهم من «رجال الأمة» هم ذات الفراغ الكبير والمغاور سياسيا الذي تتمدد و «تتمقط» فيه تلك الأزمة الشيطانية الموعودة، وكأنما هي آتية بلا ريب؟!
إلى متى سيصبح الواحد منا «مواليا» ويمسي «خائناَ»، وإلى متى سيترك الوطن والمواطن البحريني، وكأنما هم جثث مغتربة هامدة تتناهشها ضباع الطوائف والفئات؟!
بتنا أمام تلك الأزمة وغيرها من الأزمات التي تتم فيها إهانة المنابر الدينية حينما تستعرض فوقها كل أشكال الجمبزة السياسية و «الأكروباتية» الطائفية المودية بالاستقرار الوطني، فهل من غيرة على هذه المنابر من قبل العقلاء والمتبصرين؟!
أليس في أصحاب هذه المنابر جميعها رجل رشيد يقف وقفة استنكار ضد مشعلي الحرائق الطائفية علنا؟!
ما فائدة «الحكومة» و «وزارة العدل والشئون الإسلامية» و «الأوقاف» و «المجلس الإسلامي الأعلى» و «القضاء» إذا ما عجزوا وسكتوا جميعا عن إيقاف مثيري الفتن الطائفية عند حدودهم وسعوا إلى ردعهم وتعقيلهم، أم أن هنالك أمرا أخطر بكثير من ذلك ينبئ بعجز جميع هذه المؤسسات عن التصرف والتدبير، أو ربما هو ما يبدو انصياعا منها أمام إرادة عليا تتلاعب بعيدان كبريت طائفية إلا أنها لم تتعظ مما يجري حولها من حرائق لم يتسنَ لجميع القوى النافذة إطفاءها أو حتى التحكم بلهيبها؟!
ماذا ننتظر؟!
هل ننتظر أن تحدث الفتنة الكبرى المدبرة والمحركة سياسيا لأجل بيع البلاد وتصفيتها بالقطعة؟!
إن كان علماؤنا وشيوخنا وأساتذتنا فيما يبدو قد أنستهم الدنيا الفانية والعبث السياسي واستجداء تلبية مصالحهم ومصالح عائلاتهم وفئاتهم، وختمت قلوبهم جميعا عن العودة إلى أخلاق الإسلام الأولى، فإننا ندعوهم على الأقل بالعودة إلى الشيم العربية الأصيلة وأخلاق أيام الجاهلية حيث «حلف الفضول» ونصرة المظلوم على الظالم، فهل يتذكرون أخلاق الجاهلية إن هم نسوا قيم الإسلام، وليباركهم الله على ذلك!
كيف سيكون إحباط الطالب وهو يجد على سبيل المثال أستاذه سابقا النائب الشيخ إبراهيم الحادي صامتا دون حراك أمام مسلسل الإثارة الطائفية تلك من قبل «أصحاب الأجندات» الحقيقيين، وهو المدرس الذي لطالما أوصاه في المدرسة وفي المخيمات وفي المساجد بـ «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا» (المائدة : 8) و «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وغيرها من آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة!
أية خيبة أكبر من تلك والجميع من علماء وجهلاء شريكا واحدا في السكوت أمام مشهد تدشين الفتنة الطائفية التي لن تبقي ولن تذر؟!
من أراد أن يعرف القيمة الحقيقية للوطن والمواطن، ولحجم وموقع الصحافة من هذه المسألة الوجودية في بلادنا، فليتعطف على القيمة المتواضعة جدا لبيان «صحافيون ضد الطائفية» وليزنها بميزان الأزمة الحالية؟!
فليقم بزيارة واحدة إلى المنتديات الإلكترونية الطائفية المقيتة التي لاتزال وزارة الإعلام تمنحها كامل ترخيصها وتظل عاجزة وخاضعة أمامها دون أن تكبحها على الأقل، سيجد كيف سقط هذا البيان الجنائزي من أول ساعة؟!
وليشاهد إذا «ضباع» المنتديات الإلكترونية الطائفية الذين قد تنطبق عليهم الآية الكريمة «لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون» (الحشر : 14)!
وبين جميع تلك المشاهد المؤلمة وإن كانت جميع الدول الوطنية والمستقلة في العالم عدا الدول المحتلة دون شك تحكم بإيجاد صيغة متوازنة لــ «المواطنة» و «الوطنية» مهما كان حجم رسوخها من زيفها بما في ذلك دول المنطقة، فلماذا إذا يكون من قدر البحرين لوحدها في الخليج أن تظل أسيرة لسياسة «فرق تسد» ورهينة لإثارة الصراعات الطائفية والفئوية من قبل متنفذين يسعون لاستخدام «الطائفية» ورقة توت لستر عوراتهم الإقطاعية المكشوفة لجميع من على هذه اليابسة، وهم يريدونها أسرع طريقة للي الذراع الوطنية، فلأجل ذلك تبدو للأسف «الأمور سايبة» في البحرين وأن الأمر والنهر هو فقط بيدي الوكيل الحصري للفتنة الطائفية في البحرين؟!
أنا سأظل ببساطة رغم جل تعقيدات ومنغصات السياسة والسياسيين أحمل مواطنة فطرية بريئة وأكتنز كامل المحبة لوطني ولرجالات القيادة الحريصين على وحدة الوطن ومصلحته العليا من مصلحة أبنائه المواطنين، وأنبذ نبذاَ وأحتقر احتقارا شديدا من يسعى إلى خلق الفتن وإثارة الطائفية ولو كان من عدم عسى أن يزولوا ويذهبوا إلى مزبلة التاريخ، ولست ملزما من قبل أيٍّ كان في هذا الوطن أن أحب وأعز من يثيرون الفتن ويزعزعون الاستقرار الوطني وينتهكون حرمة دستورنا في اليوم ألف مرة ومرة!
ولكن مَن مِن أصحاب السكوت سيحب المواطن البحريني؟!
ومن سيشفق منهم على حالته المرثية؟!
وهل سننتظر مبادرة قطرية لتجميع فرقاء بلدنا على قلب وطني واحد كما حصل مع اللبنانيين طالما أن وجد بين ظهرانينا من لم يجرؤ قط على احترام ذاته وحدوده؟!
أدعو الجميع إلى التفكير بجدية في ذلك طالما بدونا وكأنما نحن في «بانوش» أوشك على الغرق بمن فيه طالما ظل من هم عليه يتصارعون فيما بينهم على خشاش المصالح ولم يعرفوا قط للصراحة وزنا، ألا تعسا لهذا البانوش طالما أراد أصحابه الانتحار!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ