على رغم مرارة النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتعقيداته وتثبيطه للهمم، فإن رسالة نادين غورديمر واضحة ومؤكدة: لا تستسلموا. النزاع يمكن حله ولكن من خلال إدراك أمر واحد: التكلم مع أسوأ أعدائكم هو الطريق الوحيد للخلاص.
«لن تستطيعوا أبدا حل المشكلات هنا بينما لا يتكلم الأعداء مع بعضهم بعضا». صرحت الروائية الجنوب افريقية التي تزور «إسرائيل» لحضور مهرجان الكتّاب الدولي للجيروساليم بوست في مقابلة خاصة. «الطرف الآخر هو العدو دائما، وأخاف أنكم مضطرون لتقبل ذلك والتكلم معه. لا تستطيعون استثناء حماس أو الجهاد الإسلامي، عليكم جميعا أن تتكلموا معا».
ليست السيدة غورديمر، البالغة من العمر 83 عاما غريبة عن النزاعات التي يصعب حلها. تعاملت في رواياتها، التي فازت بناء عليها بجائزة نوبل العام 1991، مع الوقائع المؤلمة لجنوب أفريقيا. كانت ناشطة مفوّهة ضد نظام الفصل العنصري، وما زالت حتى يومنا هذا عضوة في المجلس الوطني الأفريقي. كذلك كانت دائما ناقدة مفوّهة لمعاملة «إسرائيل» للفلسطينيين، ولكنها رفضت، بعد تردد، نداءات من الفلسطينيين وأنصارهم بمقاطعة مهرجان القدس.
قد تكون نحيلة صغيرة الحجم وهي تلبس قميصا أحمر باهر اللون، ولكنها عملاقة ضخمة في حضورها القوي أو تعابيرها المريرة بالغة القسوة. وعلى رغم أنها تتحدث بأسلوب لطيف محبب إلا أن كلماتها تخرج بجدية عميقة، فتقف أحيانا عند نقاط مخادعة وتتراجع لتعود وتبدأ مرة أخرى.
بدا من الأهمية بمكان بالنسبة لها، وفي الدرجة الأولى، أثناء المقابلة في غرفة ضيافة مشكنون شعنانيم، أن توصل رسالة تؤمن بعِظَم أهميتها، وكونها حاسمة لبقاء الإسرائيليين والفلسطينيين، بغض النظر عن كونها خلافية، بل ومُغضبة بالنسبة للبعض.
وحتى تثبت نقطتها بالنسبة للتكلم مع العدو، تستخدم غورديمر أمثلة من تاريخ بلادها القاتم.
«لم نكن لننجح في إنشاء جنوب أفريقيا جديدة لو لم يجلس الأعداء اللدودون معا»، كما تقول غورديمر للبوست.
تعترف غورديمر أن الهجمات الفلسطينية قتلت إسرائيليين، أطفالا وكبارا ولكنها تشير كذلك إلى أن شعب الضفة الغربية وغزة «تم تحويلهم إلى شعب بائس».
إلا أنه على رغم كل هذه العداوة والصعوبة تؤكد غورديمر أنه «يتوجب علينا ألا نستسلم» وأن الهوة يمكن جسرها.
«بالتأكيد، أنا آتي من بلد تمكّنا فيه، من خلال الحوار بين الأعداء، والإنصات، من تجنب ما كان يمكن أن يكون حربا أهلية رهيبة».
وقد أصرت غورديمر أن جميع الفصائل والمجموعات الفلسطينية التي تنظر إليها «إسرائيل» كمنظمات إرهابية، يجب أن تكون طرفا في أي عملية سلام، وتقول إن اقتراحا جرى التوسط فيه حديثا من قبل مصر لعقد هدنة تستمر ستة شهور في غزة هو «بداية».
«لا يمكن إجراء محادثات من دون حماس والجهاد الإسلامي. يجب اشتمال الجميع إذا أردت الوصول إلى أية نتيجة».
وتشير غورديمر إلى حقيقة أنه مثل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين «بدا حل نظام الفصل العنصري كذلك ولأسباب كثيرة مستحيل الحل». إلا أننا نعترف كذلك بأن هذا النزاع له تداعيات كثيرة لم تمر بها جنوب أفريقيا، وبأن المقارنة المعادية بين نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي لا تنطبق في الكثير من الحالات.
«أنا بيضاء، مثل باقي أفراد الأقلية الجنوب أفريقية البيضاء. لم يكن عندنا حق من أي نوع في شبر واحد من القارة الأفريقية، ناهيك عن جنوب أفريقيا. هنا يوجد حقّان اثنان. شعبان على حق في حيث حقوقهما لأجدادهما، وهذا هو ما يُعَقِّد الأمور إلى درجة هائلة». «يقول الفلسطينيون إنهم يملكون مطلق الحق، ويقول الإسرائيليون إن هذا هو حقهم وحق أجدادهم التوراتي في وطنهم. يعارض كل طرف الطرف الآخر بالشكل الذي يرون أنه حقهم».
أما بالنسبة لوجهة نظرها فتقول غورديمر: «أدعم فكرة وجود الدولة اليهودية وأنا ضد ما تعلنه حماس وغيرها من المنظمات التي تقول بأن «إسرائيل» لا حق لها في الوجود.
وتقول غورديمر إن كونها يهودية لا يعني شيئا بالنسبة لها. «أنا ملحدة، لم أنشأ على التربية الدينية اليهودية، أن تكون يهوديا مماثل لأن تكون أسود. إنه مجرد كيف ولدت».
قد يكون إلحادها هو ما يجعل غورديمر مضطربة حول تعقيد عميق آخر في هذه المنطقة، تعقيد لم يكن موجودا في جنوب أفريقيا: صراع ديني. «تلعب العقائد الدينية دورا كبيرا في النزاع. كما يقول كل طرف «الله إلى جانبنا». تقول غورديمر.
«هناك إسرائيليون أصوليون، وفلسطينيون أصوليون متطرفون، وهؤلاء الناس يعقّدون التحركات نحو السلام».
في حديث عام مع الروائي أموس أوز، جلوسا في سرادق خلفه أسوار القدس القديمة، علقت غورديمر بتهكم: «فكرت أحيانا أنني أتمنى لو أن أحدا ألقى، أثناء نزاعاتكم المختلفة، قنبلة على جميع الأماكن المقدسة».
على رغم إعتذارها الفوري عما إذا كانت قد أزعجت أحدا من خلال قولها ذلك، إلا أن إستياءها كان واضحا.
«أنت تعيش الآن، يهوديا أكنت أو مسلما، وليس قبل ألف سنة. يتوجب عليك اليوم أن تتعامل مع الواقع»، كما قالت للجمهور.
ولكن يبدو، إذ وضعنا جميع الفروقات جانبا، أن قرب التشابه بين نظام الفصل العنصري والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو أساليب «إسرائيل» الوحشية في المناطق المحتلة.
«للأسف هناك نقاط تشابه في الأسلوب الذي تجري فيه معاملة الفلسطينيين في المناطق المحتلة، هي الأساليب الوحشية».
«إذلال الناس الذين يطردون من بيوتهم، وإخراجهم خارج جدار الفصل بعيدا عن مصادر رزقهم ومحاصيلهم وحبوبهم على الجانب الآخر، هذا بالتأكيد أمر يمكن مقارنته مع ما حصل في جنوب أفريقيا».
وتقول غورديمر إنها «صُدِمت وأصابها الحزن بسبب تصرف «إسرائيل» في المناطق المحتلة»، مؤكدة أن «إسرائيل» أقوى بكثير من الفلسطينيين، ويتوجب عليها بالتالي أن تكبح جماح نفسها.
وعلى رغم شعور الإسرائيليين بأن دولتهم تقاتل من أجل قضية عادلة، تقول غورديمر إنه يتوجب عليهم الشعور بطريقة مختلفة كليا.
«أعتقد أنه يتوجب على الإسرائيليين أن يشعروا باضطراب شديد. بالتأكيد، يشعر البعض منهم كذلك، بسبب الوحشية والافتقار للإنسانية المشتركة التي يظهرونها تجاه الناس في الأراضي المحتلة».
على رغم اقتراحاتها الخلافية جميعها وانتقاداتها اللاذعة، استغربت غورديمر عند سماعها أنه يوجد شارع في ريشون ليتزيون وقد سمي باسمها.
«بعد كل ما قلته، قد يغيرون إسم الشارع» تقول غورديمر وعلى وجهها ابتسامة ماكرة.
* كاتبان مشاركان في «الجيروساليم بوست»،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ