يصف الفنان التشكيلي الكبير عباس يوسف تجربته بأنها آتية من «الوهم»، وما الوهم إلا ذاك الفراغ الهائل المحيط بنا، والذي لا تدرك خيالاتنا أطرافه أو حتى أرضه، لذلك فإن أية تجربة إبداع طالما ارتبطت بالوهم، فإنها تصبح ذرة متراكمة فوق باقي التجارب لخلق موطئ قدم لبلوغ نقطة في ذاك المشوار السرمد.
وحينما نقصر الإبداع على مجالاته المتعارف عليها من الأدب والشعر والتشكيل والمسرح وغيرها مما شاع بارتباطه بالمثقفين ذوي الأشكال الغريبة، نكون قد أجحفنا بحق العصر وآلياته في الإضافة إلى التراكمات السابقة من التجارب التي قادها كبار المثقفين والفنانين في العالم، إذ نرى أن فنون الجرافيك والديزاين على أجهزة الكمبيوتر والتصوير بأجهزة الهاتف النقال، ونمط الشعر الكوميدي، كلها رموز عصر حديث يجب أن تأخذ نصيبا وقبولا أكبر في العالم كآلية جديدة للتعبير عن الفكر والهوية والثقافة، وخصوصا أن هذه المجالات صارت تستقطب الدماء الجديدة من الشباب الذين يزدرون على أنفسهم أن يكونوا مع كهول الشعر والرسم، باحثين لهم عن الوسيلة المناسبة لإيصال رسالة ما، تفيد بأن هناك نمط إبداع جديد آخذ في الانتشار بسرعة تطور التقنيات الحديثة.
المصادفة أتت حينما قدمت مصر من خلال تجربة مميزة مسابقة خاصة بالأفلام التي تصور عبر الهاتف النقال، في تأكيد صريح على أن هذا الفن الجديد يستحق مزيدا من الاهتمام والتشجيع، لما يمكن من خلاله تحقيق إحدى أهم أهداف العمل الإبداعي، وهو الرسالة التي تبحث لها عن الورقة المناسبة لتكتب عليه.
وبلا شك، فإن بلدان العالم تشهد دفعا مستمرا على شاكلة مسابقة أفلام الهاتف النقال لأعمال التصميم عبر معالجات الصور، وأنا أجد أن الوقت قد قارب لتجاوز الحداثة التي نشأت بعد الكلاسيكية، ودخول عصر حدثثة الحداثة السابقة، وفق ما تمليه علينا ضرورات الزمن الراهن.
العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ